تعسرت أنفاسي.. ضاق صدري.. شٌلّت يدي.. ارتجفت أعضائي... خارت مهجتي... وكدتٌ ألفظ هجاءات الحياة بخلسة.... تملّصت من فكري عناوين الوجود وتهت في أعماق أهلها... أحسست أن الردى سيردي ميزاني ويعلق كفتي.... مرّت أمام ناظري صورا واشكالا غير منطقية تتجادل مع ذاكرتي التي مازالت فيها بقايا الحياة... أنبثق من ذاكرتي عنوان أهلي ومحلتي وشكل زوجتي وأولادي ورفاقي وصحبتي وبعد أن يأس جدلي استسلمت بندم لقدري لأني سألقى في عرض الطريق وأتوسد ترابه..فنأيت بنفسي وخطوت فبرحت مكاني فارا متعكزا من ضعفي علّني أجد الهدنة من تهدجاتي ويستقر رفيف قلبي المضطرب ... استنشقت أنفاس الحياة مرة بعد مرة.. ويا لها من أنفاس عسرة .. ضاق بي الكون الرحيب فانكفأت ممدا على بلاط ( شارع الرشيد ) المقدس فلثمت شفتاي قاره وتأبطت ذراعاي أرصفته... سمعت من صوت الصدى البعيد القريب صهيل الخيول وقرع الطبول وهتاف الرجال واصوات الفرسان المخضبة سيوفهم بدماء الغار والشرف.. سمعت بسملتهم بشفاه الإيمان والعقيدة .. لا يزال سمعي يرهف الصوت الرائب للجراح يدوي ويقول:- إن الهم والغم عاملا مشتركا يجمع عذاباتنا ..أنتن النساء تبكين أولادكن وأنا أبكي فارسا من خيرة الرجال... سمعت نداء المدن الصامتة التي تحلم بالثورة والثوار.. ومازلت أسمع أنين ثكلى تبكي ولدها المغوار.. فتفتحت حينها عيني وابصرت عناقيد الكروم تمسح جبهات المنتصرين الظافرين فاستعدت أنفاسي... وحركت ساكن قلبي... وتعكزت على ماضٍ تليد..يعود بي أدراج الرشيد... صرختْ ..إنتصبتْ..ودارت في عروقي دماء الشباب ووهجها المجيد من جديد....