تحلق عدد من أهالي القرية المنسية حول سليم وهم يتدافعون بحماس ، حرص على تدوين كل احتياجات الأهالي وصياغتها بأسلوبه المميز ، كان أوفرهم حظا فقد أكمل تعليمه الإبتدائي ، ناهيك عن ذكائه المتوقد وخطه الجميل بشهادة الجميع ، انهمرت عليه الطلبات مثل زخات المطر ، بدا متململا ولكنه آل على نفسه أن ينقل الرسائل بأمانة وصدق . شرع بالكتابة وهو في حالة حبور وترقب ، غدا سوف يمتع ناظريه برؤية الوزير الذي تكرم ووافق عل زيارة قريتهم عشية الانتخابات برغم مشاغله الجمة وحجم الأعباء الملقاة عل عاتقه ، هو الأقرب إلى نبض الشارع كما يبدو في التلفاز عند زياراته التفقدية الموزعة على خارطة الوطن .
سليم من أشد معجبيه ، هو ابن قريتهم ، ولطالما أسبغ عليه صفات جمة وأطنب في وصف ورعه وحبه للشعب ، ونزاهته التي هي فوق الشبهات ، حتى أنه رفعه إلى مصاف الأنبياء ، تحولت القرية إلى خلية نحل وكل منشغل بأمر ما ، هذا يعلق صور ابن القرية البار وذاك يزين دكانه بلافتات كتب فوقها عبارات ترحيب ، وآخر يعلق الزينة مع الأعلام .
في ذلك الصباح الربيعي المشرق اصطف الأهالي وتوزعوا عند مدخل القرية وقد ارتدوا ثياب العيد ، تصدر المشهد الوجهاء مع مختار القرية ، يرافقهم سليم وهو ينوء بحمل العرائض والظلامات التي قام بكتابتها أمس. حبست الأنفاس واشرأبت وتطاولت الأعناق فقد لاح موكب الوزير ، تحف به السيارات الفارهة التي تنهب الطريق الريفي مخلفة سحابة من الغبار ، تعالت الزغاريد وصدحت الأصوات بهتافات تدرب عليها الجميع مساء البارحة تحت إشراف سليم ، ونحرت الأغنام احتفاءً بوصول ابن الشعب البار .
تسابق الأهالي نحو السيارة وكل يمني النفس بلثم يد الوزير ونيل شرف مصافحته ، استنفر طاقم الحماية وبدأوا بتفريق وإبعاد الأهالي ، في تلك الأثناء كان الوزير يلوح بيده لجموع المحتشدين وهم يتدافعون بحماس ، اقترب سليم من السيارة وهو يحمل هموم الأهالي وهم بلثم يد الوزير ، مد الوزير يده باشمئزاز متصنعا الود حيث طبع سليم قبلة فوق يده ولم ينس أن يسلمه الأمانة التي كلف بها ، تجهم وجه الوزير وشعر بالتقزز ، أومأ لمرافقه ، فناوله المناديل المعطرة ومسح يده بقرف ظاهر وهو يتمتم :
- رائحة ذلك الفلاح تفوح بروث البقر وفضلات الدجاج !
- ولكن ، يا سيادة الوزير ، ماذا أفعل بكل تلك الأوراق ؟ سأل مرافق الوزير .
- تخلص منها ، تصرف ! ارمها في أقرب سلة مهملات ، أجاب الوزير ، ويحهم ! كيف يتجرأون ؟ هؤلاء الفلاحون لا يشبعون... أردف قائلا .
السويد – 6/ 8 / 2016
التوقيع
روحي تحلق بعيداً في الفضاء تخترق الاَفاق ، ترنو إلى أحبة حيث الشحرور والحسون يشدو على الخمائل أعذب الألحان . لما رأى الحمام لوعتي وصبابتي رق لحالي وناح على الأيك فهيج أحزاني وأشجاني . أتسكع في أروقة المدينة وأزقتها .. أبحث عن هوية ووطن ! ولا شئ غير الشجن . أليس من الحماقة أن نترك الذئاب ترتع فوق تخوم الوادي ؟