قَسَماً لم أكن نائماً ، ولا نصف نائم ، ولا ربع أو عشر نائم، ولا سارحاً حين سمعتُ صوتاً لامرأة، يقول " ياالله كم يشبهكَ "!! أقسسسم.. صدّقوني، حتّى أنني قفزتُ من مكاني ؛ وهذهِ العبارة تتصلصلُ بين أضلاعي وتنفضُ قلبي نفضاً . لقد كنتُ بكامل الوعيّ حين خرج العمّال من البيت الجديد الذي أستأجرته ، وبكامل إرادتي وعزمي حين قررتُ تغيير موقع الطّباخ الذي تركه العمّال في مُوَزّع البيت ، فسحبته وحيدا نحو المطبخ ونحو الرّكن الذي تراه زوجتي بأنّه الأنسب لاستقرار الطّباخ، هناك تحت فتحة مفرغة الهواء التي .. آهٍ يااصدقائي، كنتُ أجيلُ ببصري بين الطّباخ وبين فتحة مفرغة الهواء حين سمعتُ صوتَ امرأة مندهشاً ويقول : " ياالله كم يشبهك "! وخيل لي أنّي رأيتُ طيف امرأة تلاشى ماإن التفتُّ للوراء والرّعب يملؤني ، نعم أقول خُيّلَ لي طيف امرأة ؛لأنّي موقن كما فهمت منذ صغري أنّه لاأشباح مرعبة في رابعة النّهار ، فمابالك والوقت كان في الصّباح الباكر!!؟
كان ذلك قبل يومين ، أمّا الأمس واليوم فقد تكررتْ الحالة بطريقة لاتقبل الشّك ولا تحتمل أيّ تأويل ، وبتُّ متأكداً بأنّ البيت الذي استأجرته مسكونُ بطيفِ امرأة ؛ تردد " ياالله كم يشبهك!" . فمن هذ الذي أشبهه ؟ والذي يجعل هذا الطّيف رقيقا ومسالماً بنبرة صوتهِ وكأنّه فرحاً ومبتهجاً بل يبدو أنّه كان ينتظرني لأنني (أشبهه ولاأدري لمن أشبه)، وهذا الطّيف لمن يكون؟ لأنسانٍ أم من قبائل الجّن؟ وزوجتي التي ستلحق بي هنا بعد أسبوع؛ ماذا ستقول؟ ماذا ستبثّ لها نساء الجيران حال وصولها؟ أن صوتاً نسائيا كانَ يصدرُ من البيت عندما كنتُ وحيدا أرتبّه؟ والآن .. الآن صدقوني أن الطّيف يظهر..يظهر..ويتلاشى ، أعلمُ لاأستطيع تصويره ..آه لقد جـجج جفّ الرّيق مـم منّي .. آه الحمد لله لقد اختفت ..لقد اختفت.
لالا.. لالا لست بحاجة لطبيب عيون؟ لا تظنّوا بي وببصري ظنّ السّوء، موقنٌ أنّه كان طيف امرأة ، امرأة تلاشت ماأن لمحتُ دمعة في عينها .. غريب .. غريب هل تبكي الأطياف؟ هل بكاء الطّيف يذهب الرّوع عن قلب من يراه؟ فغريب أنّ الخوف قد زال عنّي فجأة ، بل ، لن أتردد في أنْ أسأل الطّيف عن ذا الذي أشبهه ؟ من يكون؟ وماحكايته؟
******
نعم ياأصدقائي ، نبرتي اليوم حزينة ؛ رغم أنني أخذتُ بالأمس كفايتي من النّوم ، لكن ،تسوّرني حزنٌ كبيرٌ بعد أن عرفتُ حكايةَ طيفِ المرأةِ الذي ظهر لي في الثلاثة أيام الأخيرة و عرفتُ وكلي ألمٌ من يكون هذا الذي أشبهه !! ...
باختصار،هي ليست من أقوام الجن، ولاأشباح الليل ، لكنّها روح ؛ نعم ،روحٌ هنا ، متسمّرةٌ في هذا البيت الذي استأجرته من أخيها الذي لاأدري لمَ لمْ يخبرني بحكاية روح أخته المقيمة بين جدران هذا المنزل ...!
أخبرتني الرّوح بأنّها تنتظر نظرةً أخيرة تُلقِيها على جثمان زوجها المقتول غدرا ، وأنّها وبعد هاتفٍ من مجهول أنبأها بخبر مقتله قد غابت عن الوعي ، أخبروها أنّها قد نقلت للمستشفى ولم يعد وعيها إلا بعد أسبوعين، وحين افاقت طفقت تبحث عنه...
لقد بَحَثَتْ عنه في المستشفيات ، في سجّلات الطّوارئ، في ثلاجات الموتى ، في مكاتب الأحزاب، كل الأحزاب ، في حاويات القمامة ، في الحفر، بين الصّبات الكونكريتية ، جَلَسَتْ على قارعة الطّريق ترقبُ كل المارّة عساه تحظى بحديث مع أي فرد يشبهه أو كل من يرتدي قميصاً يشبه قميص زوجها المفضّل ؛ لتتزود بالصّبر ، سألتْ عنه الجميع الموظفين ، الطّلاب ، شرطة المرور ، المجانين ، والمتسولين ، والمشعوذين ، وقادة الموت العراقي؛ فما وجدتْ غير خاتم زواجهما عند عتبة المنزل ملفوفُ بورقة نقدية فئة (ألف دينار) مضرّجة بآثار دمائه ؛فشهقت ، وماتت ، وظلّت روحها تعيش الانتظار لذلك الجثمان في هذا المنزل...
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟