عظماء "بنو أمية" الحلقة 2
==============
كانت فاطمة فى طرف المجلس مترفعة عمن فيه ، ليس لها أملٌ يستخفها وليس فى نفسها حسرة على ضياع هذا الأمل تحزنها . وإذا بصوتين يملآن جوانب القصر ، صوت فيه الفجيعة والألم ، هو نعى أمير المؤمنين . وصوت فيه الدهشة للجميع ، وفيه الخيبة لناس والبشارة لناس ، هو إعلان تسمية أمير المؤمنين الجديد: عمر بن عبد العزيز ! وانتقلت فاطمة فى لحظة من الطرف إلى الصدر . وتأخر نساء الأمراء لتتقدم امرأة الخليفة ، وخرجن كلهن وراءها ، وقد كانت دخلت لما دخلت وراءهن جميعا . وعادت إلى قصرها ، ورقص القصر من الفرحة ، وضحك بالنور ، وكان يترقب عودة سيده ، ليتم بعودته النعيم ، وتكمل الأفراح . وقعدت فاطمة تذكر الماضى الحلو الجميل ، وتناجى مستقبلا ترجو أن يكون أجمل وأحلى . ذكرت يوم انتقلت من قصر أبيها أمير المؤمنين عبد الملك إلى قصر زوجها وابن عمها الأمير عمر ، فإذا قصر الأمير أعظم من قصر الخليفة ، وإذا هو يبذه فى فرشه وزينته وتحفه وخيراته .
لقد كان عمر أكثر أموى ترفها وتملكا ، غذى بالملك ونما فى ظلاله ، وكانت ثيابه التى يخرج فيها للناس يزيد ثمنها على خمسة آلاف درهم . وكان العطر الذى يتعطر به يؤتى به إليه وحده من الهند ، فكان إذا جاز بمكان عرفه به من لم يره من عبق عطره . وكان الأشراف يعطون الغسالة العطية الكبيرة ، لتجعل ثيابهم مع ثيابه ، ليسرى إليها من رياه ، وكانت له مشية سماها الناس (العمرية) من حسنها وجلالها ، وكانت الغوانى يحاولن أن يتعلمنها ، وأن يقلدنه فيها ، وكان يرخى ثوبه على عادة الفتيان الأشراف المدللين فى ذلك الزمان ، فربما دخل الثوب فى النعل فيشده حتى يتمزق ، ولا ينحنى ليصلحه ، مع أن الثوب من ثيابه قد يزيد ثمنه عن ألف درهم ، وقد يسقط عن منكبيه فيتركه ولا يرفعه ، حتى يجئ من يأخذه !
تصورت فاطمة هذا كله وما شاركته فيه من النعم ، فى حياةٍ عاشاها لا يبلغ الخيال مداها ، وكان يجمع بينهما أطهر الحب وأقواه . وكانت إشارته عندها أمرا ، ورغبتها عنده فرضا ، لا تخالفه فى شيئ ولا يُرد لها عنده طلب !