ما أراني وجدت نفسي مرة أهفو إلى العودة إلى صبوة، أو أرغب في استعادة لذة، أو أهدهد حنينا إلى أن يكر بي العمر راجعا ليقف عند متعة عزيزة .
ذلك ما أراني قد شعرت به أبدا . ربما لإحساس شديد الوضوح بأن نهر الوعي يضيق كلما رجعت إلى الوراء مع صبوات العمر . يضيق بلذته كما يضيق بآلامه . وأن الوعي دائما إلى اتساع، والرؤية إلى اتساع، والعقل إلى نضج، والشخصية إلى تكامل كلما تقدم العمر . ولهذا لا أحب أن أعود إلى نقص مهما حمل إليّ هذا النقص وعودا باللذة . فإني لا أراها اﻵن على البعد لذة .
بل أراها مرضا وحماقة، وأرى القيم الظاهرية لتلك البورصة الدنيوية تنتكس في وجداني وكأنما تقوم قيامتي الخافضة الرافعة من اﻵن .
فتنقلب المدلولات . فإذا باللذة ألمٌ، وإذا باﻷلم لذة . وتلك صحوة لا أساوم بها على أي متاع . وإذا كان في العمر لحظات أعتز بها فعلا . فهي لحظات الصحو أمثال تلك اللحظة . حينما تتراءى الحقيقة من خلف سراب الوهم وتلامس الروح السر من وراء لثام الواقع، فأرى النفوس على ما هي عليه حقا وليس كما تصفها بورصة الواقع بأسعارها الخادعة . وهي دائما لحظات تشملها الرجفة والرهبة والخوف من أن ينكشف جوهري أنا اﻵخر في الختام على ما لا يرضيني . وأن أكون من أصحاب المعادن الدنيا . التي هي حطب النار . وذلك هو الغيب المخيف في أمر الخواتيم التي لا يعلمها إلا الله !