القسط: استعمل في اللغة بمعنى العدل وبمعنى الجور وهو من الكلمات المشتركة التي تستعمل في معنين متضادين، وقد أتى في القران الكريم بمعنى العدل في قوله تعالى ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) أي العدل، وبمعنى الجور والظلم في قوله تعالى ( وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) فالقاسطون هنا هم الظالمون بديل مقارنته بالمسلمين في الآية السابقة بالمسلمين: ( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً), وقد ورد لفظ القسط في القرآن الكريم خمس عشرة مرة كلها بمعنى العدل, وورد لفظ أقسطوا في آية واحدة في سورة الحجرات, وبلفظ تقسطوا في آيتين من سورة النساء وسورة الممتحنة وفي كل هذه الآيات بمعنى العدل، وبلفظ القاسطون أي الظالمون في آيتين الاية 14و15 من سورة الجن, وبلفظ أقسط أي أعدل في آيتين من سورة البقرة وسورة الأحزاب، وبلفظ المقسطين أي العادلين في ثلاث آيات من سورة المائدة وسورة الحجرات وسورة الممتحنة، وفي مجملها يكون عدد المرات التي تكرر فيها القسط ومشتقاته خمسا وعشرين مرة.
القسط هو تمام العدل، والقسط هو الهدف من إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية، يقول تعالى{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد 25) فإقامة الناس فى أى مجتمع للقسط والعدل هى إقامة لشريعة الله التى جاءت بها الرسالات السماوية فى كل عصر.
أنواع القسط: والقسط له ثلاث درجات حسب التعامل مع الله ومع الناس ومع البيئة.
الأول:
القسط مع الله: فالقسط فى التعامل مع الله يكون بالإيمان به جل وعلا إلهاً واحداً لا شريك له ولا نظير، ولم يلد ولم يولد.
ومن هنا فإن الإشراك بالله تعالى ظلم عظيم للمولى جل وعلا {إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان 13). وهذه قضية يختلف فيها البشر، ومرجعها إلى الله تعالى يوم القيامة.
الثاني:
القسط مع البشر: والقسط فى التعامل مع البشر يكون بالتعامل بالعدل مع الناس جميعاً سواء كانوا من الأهل والأقارب أو كانوا من الخصوم والأعداء.
ومن هنا جاءت الأوامر فى القرآن بالعدل والقسط داخل البيت، مع الزوجات أو الاكتفاء بزوجة واحدة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} (النساء 3).
ثم القسط والعدل فى التعامل مع الأقارب حتى لا تؤثر القرابة على القيام بالقسط فتقع المحاباة والظلم، لذلك يقول تعالى ضمن الوصايا العشر {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ} (الأنعام 152)
ويقول تعالى{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ} (النساء 135)
فالأمر الإلهى هنا للمؤمنين بأن يقوموا بالعدل والقسط، وأن يكونوا بذلك شهداء لله تعالى حتى على أنفسهم وأقاربهم إحقاقاً للعدل وابتعاداً عن الهوى.
فهنا القيام على القسط لوجه الله حتى لا تؤثر محاباة الأقارب عليه.