من عدل الله عز وجل أنه ينصب ميزانا يوم القيامة للحساب، ويزن فيه الأعمال من خير وشر، فالمؤمن يفرح بعمله الصالح، ويظهر فضله، والكافر يحزن ويتحسر، ويظهر ذله وخزيه، والميزان من الأمور الغيبية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، فالواجب على المسلم أن يؤمن به كما أخبر الله تعالى عنه: قال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }الأنبياء47
وقال عز وجل: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون*ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} المؤمنون102-103
وقال تعالى: {والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون} الأعراف8-9
وقال عز وجل: {فأما من ثقلت موازينه*فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية } القارعه
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب! لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي ، فيقولون: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك) .
مالذي يوزن في الميزان ؟
اختلف أهل العلم في الموزون ذلك اليوم على أقوال: - الأول: أن الذي يوزن في ذلك اليوم الأعمال نفسها وأنها تجسم فتوضع.
ولا شك أن ملامح الإجابة ستتكشّف عند الميزان الذي ستوزن به أعمال العباد، فمتى ثَقُلت كفّة الحسنات كُتبت لصاحبها السعادةُ والنجاة، وإذا كان الرُجْحان لكفّة السيّئات، فيا ويل صاحبها من الخزي المهين، والعذاب الأليم، إن لم يمنّ الله عليه بعفوه وغفرانه.
الثاني: أن الذي يوزن هو العامل نفسه:
فقد دلت النصوص على أن العباد يوزنون في يوم القيامة، فيثقلون في الميزان أو يخفون بمقدار إيمانهم، لا بضخامة أجسامهم، وكثرة ما عليهم من لحم ودهن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرأوا (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)الكهف105 رواه البخاري
الثالث: أن الذي يوزن إنما هو صحائف الأعمال
فقد روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب. فيقول الله تعالى: بلى، إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفه، والبطاقة في كفه، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء)
وقد مال القرطبي والسفاريني إلى هذا القول، بطاقة فيها كلمة التوحيد تطيش بسجلات الذنوب وترجح بصحائفها وتثقل الميزان.