لم يمنح الظلام سره لعيني،فقد تجانس هجيعه مع نغمات(القداس الجنائزي)*فسرت عبر رواق أثيري خلف توابيت عديدة لا اعرف من يسكن جوفها ولا حتى الجماهير التي تمرق من جانبي بمسيرها الآلي المهيب،لم اعر للأمر اهتماما،فقد عللت ذلك بقرب منزلي من المقبرة،ولكن في هذه الليلة اللاواقعية سرحت نظري عبر الشباك،ترقبت انتصاف الليل ومرور الموكب الجنائزي كالمعتاد،فوجئت حين لم تلتقط أذناي الدقات الاعتيادية لساعة المدينة الكبيرة،كانت ترسل برتابة وحزن نغمات القداس الجنائزي ،ظننت وأنا انتظر مرور الموكب الروتيني بان الأشباح قد ملت المسرحية وقررت أن تبتكر لعبة أخرى،لكن قبيل أن أغادر نافذتي رأيت ثلاثة أطياف دخلت من الباب الأمامي،حدقت جيدا فوجدت بأنهم أصدقائي، يحملون على أكتافهم مشانق يغرسونها في ارض الحديقة وينتحرون،هممت للخروج فاستوقفني وقع حذاء على الدهليز الجانبي،دققت في العتمة جيدا،رأيت حبيبتي تحمل خشبتها ثم تتأرجح بجانب أصدقائي الميتين،حاولت أن اصرخ:توقفي...ما الجناية التي اقترفتها وتجعلكم تأتون بنهاياتكم وتقذفونها بوجهي...؟
لم اقدر على ذلك،خرجت إليهم كي اتاكد من عدم تكدس أفكاري في صوامع الكوابيس، لمستهم فوجدت إن الأجساد حقيقية وما زالت تنبض بدفء واهن،واظبت على حمل الجميع إلى المقبرة ومعي إحدى المشانق كي اعلق نفسي بجانب قبورهم،أتممت دفن الثلاثة وأردت أن أودع حبيبتي الوداع الأخير قبل أن اهيل عليها التراب،لم تكن تحمل وجه حبيبتي بل كان الوجه الغافي في الحفرة لعاهرة اعرفها وكنت ابغضها كثيرا،لذلك تراجعت عن فكرة الانتحار وعدت إلى المنزل،وهناك من خلال شباكي الكبير كنت أرى مواكب وأطياف عديدة،أبي،أمي،جميع أقاربي،الغني الذي لم يزوجني ابنته،الرجل الذي رفسني بقدمه،كلهم يغرسون مشانقهم في ارض حديقتي ثم يتعلقون،هالني التفكير بدفن هذا العدد الكبير،شعرت بدوامة أخذت تفتك براسي فسقطت مغشيا علي،وفي الصباح الباكر وجدت إن كل ما يحيط بمنزلي قد اختفى،البيوت،الأشجار،العمارات،لم يكن هناك في المدى المحيط بمنزلي غير غابات من المشانق.