إعادة السرد .. الاستراتيجية التي لا تطبيق عليها في الأدلة الإرشادية على الرغم من يسر ذلك وثرائه
(1)
في مقال (الخطر عندما تتحول الأدلة الإرشادية وأمثلة المدربين إلى شواهد قرائية في الاستراتيجيات التي لا واقع تطبيقي لها في المقررات) الذي نشر في 19/1/2017م- حذرت من تحول بعض شواهد الاستراتيجيات التي لا تطبيق لها في مقررات التلاميذ إلى شواهد جامدة تضر ولا تفيد، ومثلت بـ(التعريفات الصديقة، والمثال واللامثال، وتجاهل الحرف في مفاتيح السياق).
وفي مقال (نشاط الأداء القرائي يغيب عنه منهج الأداء القرائيفي دليل الفهم 2015م ودليل 3 ب 2016م) الذي كتبته في 12/4/2016م- بينت أن الأداء القرائي في الدليل الإرشادي (نماذج استرشادية لأنشطة مهارات تدريس القراءة للصفوف الثلاثة الأولى .. الطلاقة والفهم، 2015م)، ص22 و23- يأتي عاما من دون إجراءات على غير منهج الأدلة الإرشادية الإجرائية كلها، وبينت أن (مخطط العرض "السيناريو") هو الذي يوضح طريقته الإجرائية.
وهنا أزيد الأمر بسطا فأوضح أن الأمر لا يقتصر على السابق من الاستراتيجيات المذكورة بل يشمل استراتيجية مشهورة اسما غير مشهورة تطبيقا هي (إعادة السرد).
كيف؟
إنك إن بحثت عنها شبكيا فسيصادفك السطر الآتي الذي يعرفها تعريفا عاما لا يفيد المعلم الذي يريد تنفيذها: (استراتيجيةإعادةالسرد هيطريقةيقومفيهاالمعلمبسردقصةعليالتلاميذ،ثميطلبمنهمبعدذلكإعادةسرد هذهالّقصةبطريقتهمالخاصة).
وقد تتوهم أنه لا بأس ففي الأدلة الإرشادية غنية وثراء، لكنك ستصدم.
لماذا؟
لأنك إن بحثت عنها في الأدلة الإرشادية فلن تجدها إلا في (الدليل الإرشادي للصف الاول الابتدائي، الفصل الدراسي الأول، نسخة تجريبية، سبمبر 2013م) على الرغم من تكرار اسمها في خطط القرائية للصفوف التالية. وقد تكررت فيه عشر مرات، وفي كل هذه المرات العشر لن تجد طريقة إجرائية لها، بل ستجد الأمر موكلا إلى المعلم على غير عادة الأدلة الإرشادية التي تحدد التفاصيل الإجرائية في الاستراتيجيات الأخرى التي رأى معدو الأدلة أن يجعلوها إجرائية.
لماذا هذه التفرقة؟
يبدو أن الاستراتيجيات عند معدي الأدلة تشبه علوم اللغة العربية عند علماء اللغة العربية الذين يرون أن منها علوما نضجت واحترقت، وعلوما نضجت ولم تحترق، وعلوما لم تنضج؛ فإنك إن تصفحت الأدلة فستجد استراتيجيات نضجت في أذهانهم واحترقت تمثيلا وإجراء، واستراتيجيات نضجت ولم تحترق، واستراتيجيات لم تنضج.
لم؟
لا أدري، لكن ربما يكون السبب أنهم يرتبونها ترتيبا أولويا غير معلن عنه، أو تكون طبيعة بعض الاستراتيجيات مجافية للخبرات المتاحة، أو ....
مهما يكن من سبب فستجد الدليل الإرشادي في شأن هذه الاستراتيجية ذا خطاب موحد.
كيف؟
يقول (الدليل الإرشادي للصف الاول الابتدائي، الفصل الدراسي الأول، نسخة تجريبية، سبمبر 2013م)، في المرة الأولى التي تحدث فها عن الاستراتيجية ص18 ما ياتي:
[الوحدةالثانية (حرفالباء(
الاستراتيجية:)إعادةالسرد(
الهدف:يسردالتلميذالقصةبأسلوبهبعدالاستماعإليها.
تقديمالنشاط:يقولالمعلم:سوفأحكىلكمقصة،وسوفأطلبمنكمبعدذلكأنتحكوهالي .
النموذج:يقولالمعلم:سوفأحكىلكمقصة (البقرة) مندليلالمعلموأنتمتستمعونإليها،ثميحكىلهمقصةالبقرة.
الممارسةالموجهة: يقولالمعلم: والآنهيانقولالقصةسويا.ويبدأالقصة،ويشاركالتلاميذفىسردبقيةالأحداث.
الممارسةالمستقلة: يقولالمعلم:منيستطيعمنكمحكايةالقصةبمفرده؟ثميستمعلبعضالتلاميذيحكونالقصة.
التطبيق: منيحكىلناقصةسبقأناستمعإليها؟]
وتكرر هذا النص في حرف الذال ص20، ثم في حرف السين ص 24 و25، ثم في حرف الضاد ص27، ثم في حرف الظاء ص29، ثم في حرف العين ص30، ثم في حرف الفاء ص32، ثم في حرف الكاف ص34، ثم في حرف النون ص39، ثم في حرف الياء ص 42.
(2)
هكذا الأمر في المتاح بشأن هذه الاستراتيجية على الرغم من ان إثراءها وإجراءها سهل ميسور.
كيف؟
لو عرّفوا السرد لاتضحت إعادته، ولو استعانوا بأديب السرد مهنته وحرفته لأفادهم وأغناهم، لكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك؛ لذا خرجت هذه الاستراتيجية هذا الإخراج الذي لا يفيد.
وقد يقول قائل: إن الاستعانة بأديب ربما لا يكون ميسورا!
وجواب ذلك جد يسير.
كيف؟
كان يمكنهم الإغناء من دون ذلك لو أدركوا أن سر تفعيل هذه الاستراتيجية يكمن في استراتيجية أخرى ناضجة ومحترقة في الأدلة الإرشادية.
ما هي؟
إنها استراتجية (خريطة القصة).
كيف؟
إن استراتجية (خريطة القصة) تحلل مكونات السرد من زمان ومكان وشخصيات وأحداث وعقدة وحل، وهذه مع عنصر وجهة النظر هي عناصر إعادة السرد التي تغير اتجاه السرد.
ما (وجهة النظر)؟
إنه زاوية القص، أيكون بضمير المتكلم؟ أم بضمير الغائب؟ أم بضمير المخاطب؟
وقد يسأل سائل: وكيف يتغير السرد بهذه العناصر؟
والجواب جد يسير.
كيف؟
إن تغيير وجهة القص من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب تغير الأحداث والشخصيات؛ فضمير المتكلم لا يرى إلا الظاهر أما الغائب فهو يتحدث عن الظاهر والخفي كما هو معلوم من الفن القصصي بالضرورة. وإن تغيير الزمان يقتضي تغيير الأحداث المرتبطة به، وتغيير الأحداث يؤدي إلى تغيير الشخصيات، وكل ذلك يحرك زاوية القص. وكذلك بقية العناصر من مكان و...
وهذا ليس غريبا عن طبيعة هذه الاستراتيجية التي اقتبسناها من الغرب.
كيف؟
إن الغرب يعرف كما درسنا في قواعد اللغة الإنجليزية الكلام المباشر والكلام غير المباشر (DIRECT, INDIRECT)؛ فتغييروجهة النظر من رواية الشخص نفسه الحدث عن نفسه إلى رواية غيره الحدث عنه يؤدي إلى تغيير الأزمنة والضمائر و...، وكذلك الأمر هنا.
(3)
وإن الصور التطبيقية غنية ومرنة.
كيف؟
إنها تتسع لخبرات كل الصفوف؛ ففي الصفوف الأولى نطلب منهم استخدام الضمير بدل الاسم الظاهر، وفي الصفوف العليا نطلب إضافة شخصية أو حذفها، وفي الصفوف الأعلى نطلب تغيير العقدة وتعديدها، وهكذا. وكل تغيير مما سبق يعيد السرد حتى لو أُريدَ ألا يعاد.
وتسع هذه الصور التطبيقية تأكيد المفاهيم النحوية واللغوية في أذهان التلاميذ لو كان محور إعادة السرد تغيير وجهة النظر كما بجعل المفرد مثنى او جمع، وغير ذلك من صور تطبيقية تظهر بتفعيل هذه الاستراتيجية.
فهل تعيد الأدلة الإرشادية تقديم هذه الاستراتيجية في طبعاتها القادمة؟ وهل ينفذ المدربون والمعلمون ما سبق ولا ينتظرون؟
أرجو بل أدعو!