عندما انحنى نور الضحى , وتزاحمت أمام عيني رؤى الظلام وماجت فوق رأسي
وساوس الخوف, وكإن شيئا كنت أخافه فأظهرته لي الأيام!!
وعلى الفور هاتفت خليلا مهذباً ونافعاً , إستأمنته فأخلص لي ...فلبى دعوتي , وكان نديما
من صنعَة المعروف , وسرعان ما اتحدت روحينا ..! فتنائينا في البعد حتى هبطنا فوق
السحاب المتجمع حيث المطر؟!!
بدأنا بحديث صامت , نقطع نتف السديم ونلقيها من علوِِِ , ونحسب زمن تحليقها وسقوطها
وسرعة انجذابها ,فسررنا بطيرانها لبعض الوقت ,وهي تعلو كلما ازداد الضغط في الأعلى!!
وعلى هامش التحليق وقدرية القذف والإلتقاط كانت عوالمنا حاضرة المعنى...!؟
بادرني رفيقي بسعة صدرٍِِ رحب الآفاق:
_ مابك أيا الخل الصحيب ؟
أجبته على الفور:
-- لا أستطيع أن أصنف معاناتنا كبشر , وأوعزها دائما لتعيين الأ سباب , والجدل القائم يكمن في
أمراضنا وعللها , لكن معاناتها ياصديقي تظل هي الأهم !!؟
-- إذن, دعنا نسعى نحو إيجاد العلاج ؟؟
-- يجب ان نشخص العلل أولا بعيدا عن الافتراضات السببية ,وأن لا نبقى رهينة وسائل ملبسة بحلل جديدة!
-- هل تؤسس لنظرية ما ؟ فإن كنت, فستحتاج الاثبات حتما؟؟
-- أحاول وبأمل واسع التشبث والإجتهاد نحو الإبتكار ,بدل أن أكون بفجوة من الجهل والغموض!!
-- وبحثك هل سينصب على الجانب النفسي أم المادي؟؟
--- ربما سيكون بفعل الإيحاء والرجوع الى الحاجة أو الطاقة البايولجية!!؟؟
صمت رفيقي برهة وحضني على مواصلة الهدوء وإظهار بعض الصبر بقوله:
-- مما لاشك فيه أن هذه الأفكار قد ساورتني من قبل , وسأكون لك مستمعاً جيدا ومفيدا.
فشجعني كلامه الودي على إتمام ومواصلة الحديث, لإهراق الرواسب العالقة والتي كبر وزنها
واتسع محيطها في باطن عقلي ونفسي معا ؟؟!!
-- أرى ياصديقي أن إخفاء الحقيقة , وأنانيتنا كبشر , وخشونتنا هي ذنوب ويجب التكفير عنها
بابتعادنا عن وعثائها , والإمساك بعباءة الصالح بما فيه من صلاح وتقوى ,لنعيد ماتصدع
في تكاملنا الطبيعي؟؟!
--هي صورة الشيطان إذن؟!!
-- لا, بل التغيير في خصائصنا والتجريد إن جاز التعبير , وكم من مرة اختلفت مع نفسي جزئيا ,أو حتى
كليا , فأصبح كل شيء حولي بلا أبعاد , ولا ألوان , وبغير معنى حتى في حركة الحياة ؟!!!
-- هل تحاول أن تكشف النفَسَِ الأيماني الذي تحمله؟ أم نبؤة عن حالات مستقبلية لمن يسأ ل ويجيب
بأجابات شخصية ؟ أم هو الحدس بقابلية الأستشفاف من الإنسان الذي يوضفها لصالحه على موفة
المستقبل!!؟
-- مهما قلنا وذكرنا من دوافع وأسباب سنقع أخيرا في التحكيم المبهم وتحت طاولة الإرباك, ونعود
للالتقاء بمفاهيم البداية والتأسيس, مثل لعبة القذف من علو ...ولقد وجدناها مسلية ..وكانت نافعة
ومؤسسة لشراكتنا في إبداء الرأي؟؟
ضحك رفيقي مستغربا وقال :
-- وما هي أيها الخل الوفي ؟
-- أنها قانون القذف والإلتقاط!!
-- لعلمي أنه طاعن في القدم ...وهو ليس من بنات أفكارك؟
-- أجل سأتعكز عليه , ريثما تحيا بذور الذاكرة التي غرستها استنتاجا ولك الإستباق مما سيظهر في كل
ألأحوال .
-- لو حاولنا التغيير وبغير اعتمادنا على وسائل اللغة المتاحة , هل سيتمكن الفرد منا التعبير عن حياته
الداخلية الى حد الصدق والوفاء بما تعارف عليها البشر بشكلها المحدد؟؟
--إذن, لا يبقى لدينا من خيارغيرالإنفتاح للتعبير بالرمز وأجده أكثر شمولا ودقة من مكونات النفس وحتى
من اللغة الأعتيادية نفسها وسنتمكن حينها من تحديد خصائص الحياة وحدودها عن طريق اكتشاف الملكات
العقلية للتفكير والتخيل بطريقة التجربة الذاتية , عندها سيكون الرمز واقعا حيا .
--- وهل ترى هذه السمات متوافرة في كل فرد؟
---فقط المبدعون هم أكثر من غيرهم على تخيلها بذكائهم وميلهم نحو الابتكار.
-- هؤلاء اللذين و صفتهم ما هي مقوماتهم الأساية!!؟
--أستطيع ان أجملها بخاصية الإحساس الكبير , أوالحسية الأكثر شمولا لمهج الروح الإستشفافية
والمقدرة والقابلية التي تحركهم , وهذه المقومات لاتتجسد في باقي الأ بدا ع , غير الأسياد في فنون الحياة
تحديدا.!!
--أؤيد رأيك بانه وجه من أوجه الحياة العقلية ولكنه للأ سف لايزال ضمن حدود التخمين , فهل تميل
للفريق القائل : بأن الانسان وليد بيئة ومحيط؟
--البيئة كفيلة بخلق فرد وليس مجتمع , وهو منطق جدل لمتحزبي هذا ألرأي ,والمحيط غير متوفر
الآن بشكل نستطيع من خلاله إحداث تغيير جماعي في الطبيعة البشرية , لانه تعرض لعوامل الأنكسار
والهزيمة ألايدلوجية وهو آيل للفناء إن صح التعبير.
--إذن, لزوما علينا الأنتظار جيلا أو أكثر لأ صلاح المسار!!!
ران الصمت حديثنا بعد ان اخترقت زمجرت السحب مجلسنا النائي وتلاطمت بأ تحاد السالبين مخلفة
صواعقها باكورة من حمم بسعير الجحيم , وسرعان ما تحدت مع صوت رخيم شق عنان الافق البعيد
(إذا السماء انشقت , وأذنت لربها وحقت , وإذا الأ رض مدت ,والقت مافيها وتخلت)(صدق الله ا لعظيم)
وعلى أثرها ماج بساطنا اللاهوتي تحت عري أقدامنا وسقطنا بفعل القذف من علو كقطرات المطرالنازلة
حتى ابتلعنا البحر الواسع الكبير , ولفظنا سريعا لنطفؤ أخيرا مثل فقاعتين فوق سطحه الهادر!!!!