قصة قصيرة
أطياف هائمة
لمحت في محجريها مشروع دمعة تكاد أن تنساب من عينيها الواسعتين
لذت بالصمت... وأرخيت جسدي وحمولي على جداره, وساد السكون للحظات.. كم كانت ثقيلة وجارحة... استجمعت قواي حتى لاأضعف أمام لحظة حزن مرسومة على محياها
بلا مبالاة قلت لها
ـ سأغادر...
ـ دائما تلوح بالسفر كحل وحيد جاهز تبادر للاحتماء به
انسابت الدموع منها بغزارة دفعة واحدة.. كم كانت دموعها حارقة.. وهي صامتة في حزن مكتوم...
تألمت في أعماقي.. إنّه مزيج من الحسرة والحيرة والألم الجارح
حاولت أن أكفكف دموعها بيدي ولكنها كانت أقوى في انسياب متواصل, خلتها للحظة زرقاء اليمامة بل تخيلت تلك المقلتين وهما يرخيان بدل الدموع دما أو زجاجا جارحا
انتفضت من مكاني وترجلت إلى زاوية الغرفة حيث النافذة تطل على باحة الدار... نظرت في وجهها فإذا بالدموع تزيده جمالا ورونقا هادئا
كنت في حاجة للبوح ولكن الصمت يجبرني على الرحيل في تأملات تسحبني في أطيافها الهائمة.
منذ نعومة أظافري كنت كثير السهو عميق التفكر .. وإذا حلّقت بي أفكاري في فضاء الخيال أغيب عن الأرض لأحلق بجناحي طائر في الكون الفسيح... ومع الزمن استطعت أن أكون عالما خاصا بي وأتقنت التدرب على الطيران في الخيال لأحول الذهن إلى مشتل للأفكار والذكريات والخيالات الهائمة والحلم... حولته إلى شريط تسجيلي سجلت عليه آمالي وآلامي,, أحزاني وابتساماتي
كان مخيالي خصبا
أحسست بيدها تمسك بيديّ في حرارة وعمق.. أفقت من سهو اللحظة , تأملت في وجهها كان بي جوع رهيب لوجهها وكأني لن أراه بعد اليوم .. شعور انتابني تلك اللحظة وأزعجني
قالت في شبه سرحان
ـ سأنصرف إنني متعبة
وسرعان ما غادرنا الدار في صمت وكأننا في موكب جنائزي. وجدتها عازفة عن الكلام فاعتراني عزوف مماثل... أحسست معه برغبة جارفة في الخلوة بنفسي.... لم أكن أعرف سر حزنها ودموعها ولكنني آثرت الصمت وفي أعماقي بركان هادر
استقلت الباص وسرعان ما اختفت بينما اخترت أن أنطلق في رحلة مشي لا أعرف أين تقودني قدماي..........
وصلت مشارف المدينة وتوقفت قليلا لأستنشق نسائم الهواء
ـ إنني أكاد أن أختنق
في الطريق تذكرت كل الماضي القريب بحزنه وألمه.. رحلة الشقاء التي أمضي فيها ولا أعلم أين تنتهي بي
إنها تزداد اتساعا كرقعة خارجة عن السيطرة
غمغمت بيني وبيني
ـ ربما تنتهي بالسجن ولم لا.......
لاشيء يهم ... إنه الحصار الحصار المرير
كلمح البصر اختفت .. وكأنها فقاعات هواء زائغة... أصبحت ذكرى بل طيفا هائما.. بحثت عنها في كل مكان حتى عيل صبري فلم أجدها
بعد يأسي سألت نفسي
ـ ترى هل كانت حقيقة رفيقة دربي ولباسي ومهوى فؤادي... أم أنني كنت في أحلام اليقظة والخيال ... ربما كانت خيالات هائمة من خيالاتي......
لا لا إنها حقيقة مرة تحولت إلى مجرد طيف مر من هنا ومضى
ولكنها تعيش في وجداني وعمق كياني المحموم بالحب المولع باعتراض العاصفة وامتطاء الريح
ـ افترقنا.......
دون أن أسمع منها نبسة أو حسا أو بنت شفة
وطالت سنوات البعاد والجفاف وحصاد الغربة
تحول الماضي لأطياف هائمة.................