تسربت من شفتيه ابتسامه بلهاء حين قدم لها زهرة الصباح كالمعتاد،انه نهج اتبعه منذ زمن ليس بقصير،أو منذ أن تفجرت بداخله صورة المرأة التي كان ينتظرها منذ سنين المراهقة،انتظرها حتى بعد أن تزوج وأنجب أطفالا ومشاكل سارعت في انبلاج فجر للشيب تتوج به رأسه المتخم بالأحلام،هكذا كان،يحصد بعينيه الحدائق كل صباح،يحدق في الأزهار،يغازل بنظراته بعضا منها،يبقى كذلك حتى تتجسد صورتها في إحداهن فتكون هي الفائزة بتمثيل تحية الصباح التي يجد نفسه عاجزا عن انتقاء جملة أو حتى كلمة تلف بشموليتها الحب الذي يختزنه قلبه،كانت زهرة غريبة الشكل والجمال،غريبة جدا تلك التي تمثلت بصورة من يحبها،أو المرأة التي شاءت الصدف أن تكون شبيهة بتلك التي كانت تتربع في داخله،لمجرد وجود ذلك التشابه لا غير،كان يحبها وهي تحترمه ولا تتردد بقبول أزهاره الصباحية المنداة،تتحمل شاعريته الجامحة لكي لا تدفعها نحو هاوية ما،وذلك الجموح جعله يقدم بارتباك تلك الزهرة البنفسجية الرائعة دون ندم أو تردد،كعادتها أخذت الوردة وسارعت بوضعها في قدح الماء أمامها على المكتب،وكعادتها لم تتنبه لشكل الوردة الغافية أمامها،مع مرور الوقت لاحظت الذبول الذي أصاب الزهرة،مدت يدها بهدوء فانقضت الوردة عليها وغرست الأشواك بأصابعها،حدقت بها وكتمت شهقتها عندما وجدت بأنها زهرة بشريه،عينان جاسوسيتان وفم تتدلى من جانبيه أنياب مرعبه،كانت الوردة تبتسم بخبث أثار استفزازها،تذكرت العيون التي تتلصص عليها والأفواه التي قذفتها بآلاف التهم،لا لشيء إلا لأنها كانت تفضل تحيات الزهور الحالمة على ملايين الكلمات الموقوتة بالنفاق،أما الآن فالوردة تحمل الخبث والوحشية والهاوية،كانت تفكر في كل ذلك وكل ذلك كان يدفعها للتأكد من حقيقة ما تراه،لذلك مدت أصابعها ثانية وحدثت الكارثة،انغرست الأنياب،شعرت بخدر لذيذ وعنيد، شيئا ما كان يسحب دمها بهدوء،كان يرجع للوردة الذبلانة نظارتها الأولى، الوردة توغل في النظارة والفتاة تنحدر بإصرار نحو الذبول،صار المكتب معتركا للوجود،أما هو فلأيام وأسابيع لم يقابلها في الطريق،زهور الأيام الفائتة كانت تشكل باقة ملونة في كفه حين عقد العزم على الذهاب إليها،دخل غرفة المكتب فتسربت الباقة من بين أصابعه بهدوء،لم يجد في الغرفة غير وردتان،الأولى تحمل الجمال الذي حلم به وعشقه رغم ذبولها المريع،والأخرى متخمة بالنظارة والتشفي والانتقام والبشاعة.
***
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 08-01-2010 في 12:14 PM.