قام الشاعر الكبير نبيه سعدي بصياغة رسالة شعرية جميلة وأرسلها إلى السلطان ولجمال الرسالة وهدفها النبيل فقد استحويت ردا للسلطان على الرسالة ورد شاعرنا الكبير نبيه سعدي برسالة أخرى تنم عن مقدرة كبيرة مستعينا بكل ما عرفه عن الحكام السابقين ولجمال قصايد هذا الشاعر ولنبل هدفه قررت نقل القصائد والردود لتعميم الفائدة
//////////////////////////////
رسالة من مواطن عربي..
الشاعر الكبير نبيه سعدي
كان ياما كان، في قريب الزمان.. رجل معدم نخر الفقر منه العظام، ورغم أنه كان بحاجة إلى القليل من الطعام، لكن حنينا تملكه إلى حرية الكلام.
وعلى أمل ألا تصله.. قصد ديوان السلطان، وترك له هذه الرسالة:
يا سيّدي!
شكوايَ.. أرفعها بإجلالٍ إليكْ
من قلب ملتاعٍ.. ونفسٍ ضارعهْ
لا.. لستُ أنوي أن أثيركَ
يشهدُ اللهُ.. وربِّ القارعهْ!
فلقد كتبتُ إليك أنتَ رسالتي..
وقصدتُ عرشكمُ القريبَ
مناصراً في محنتي
حين استحال عليّ عرش الله
في أعلى السماء السابعهْ
*****
من أين أبدؤك الكلامْ؟!
من طفرة المازوت والبنزينِ..
من فوق الغمام!؟
من موج "سونامي" الغلاءْ؟!
من كهرباءٍ دونها يحلو الظلامْ؟!
أم من قضاءْ؟!
من بين آهات الرعيّةِ..
تحت أكداس الضرائب راكعهْ!؟
قلْ لي بربّكَ سيّدي!
من أين أستجلي حدود الفاجعهْ؟!
*****
يا أيّها الراعي المطاعْ!
قد جئتُ بالشكوى إليكْ
برجاء أن تبقى على طول المدى
حكرا عليكْ
لا تطلعِ الحوذيّ والسجّانَ..
والحجّابَ والحرّاس.. عن بَوْحي إليكْ!
فجميعهم يا سيّدي..
سلطات أمنٍ قامعهْ
حتى ينالوا قصدهم في كلّ حالْ..
ونصيبهم من كلّ مالْ
ما همّهم وطنٌ وشعبٌ..
ليس تجمعهم بهمْ في الحقّ أيّةُ جامعهْ
*****
يا سيّدي!
مع كلّ حبّي والولاءْ..
أثقلتََ في عيشي المقنّع كاهلي
بضرائبٍ دقّّتْ عظام مفاصلي..
ظفرتْ بها دوماً..
حكوماتُ اغتصابٍ جائعهْ
أفرادها متزلّفونْ..
بلحوم شعبكَ ينهشونْ..
ودِمَ الخزينة يشربونْ..
خبراتهم في كلّ ذلك بارعهْ
*****
ماذا أفيدكَ.. سيّدي؟!
فإذا الإدارة بالفساد تلوّثتْ
أضحتْ به كلّ الحكومة ضالعهْ
قبَسُ الفساد إذا استقرّ بموضعٍٍ
تسعى به كلُّ المواضع والعهْ
ويظلّ صمّامُ الأمان هو القضاءْ
فبه الخلاصُ.. ومنه ينبعث الرجاءْ
لكنهُ.. يا سيّدي..
قد صار أنقاضاً.. سقوفه خاشعهْ
وفمُ العدالة لم يظنَّ ببصقةٍ
في وجه أصحاب الحقوق الضائعهْ
وفنون سمسرة المحامي..
تستهين بحقِّ مظلومٍ.. وتقفل بالغنائم راجعهْ
*****
لا تنتقدْني.. سيّدي؟!
أني تمنّيتُ التقرُّبَ من جهنّم.. في الشتاءْ
ورمقتُ مَن فيها بنظرات الحسودْ
أمضيتُ فصل البرد تحت إقامةٍ جبريةٍ..
مستدفئاً تحت الغطاءْ
لمّا نبا عن طاقتي ثمن الوقودْ
أكبرتُ دفء الله بالمجّانِ.. مشتاقا إليهْ:
يا ليت شمسي في الليالي والنهارِ..
تظلّ دوما طالعهْ!
*****
لا.. لا تلمني سيّدي!
أنا لستُ في صمتي ملامْ
قد علّموني: أنَّ صمتي ألفُ أفضل من كلامْ..
فاسكتْ!! ودعْ عنكَ التشكِّي والملامْ
كيلا ترى دنيا جهنّم واقعهْ!
وصمتُّ.. حتى أُفلتتْ أسبابُ صمتي من يدي
لكنه .. يا سيّدي!
قد زاد من إمعانهمْ بالظلمِ.. حتّى أنّهمْ..
لم يلحظوا شعباً يجفّف بالهوان مدامعهْ
*****
يا سيّدي!
جئتم بأحكام الطوارئِ.. أو قوانين الأمان القاصعهْ
لمّا هوتْ عن ردع من قصدوا الإساءة رادعهْ
فبذلتُ في حفظ النظام وصونه حرّيتي
سلّمتُكم حقي بتعبيرٍ.. بفعلٍ أو كلامْ..
حقي بعدل.. أو بأمنٍ داخليٍّ مستدامْ
وأجبتُ مختارا.. بنفسٍ طائعهْ
*****
أحسستُ أني.. سيّدي!
سلمتُ أمري من يسوس مصالحي
ويذبُّ عني أيّ سوءٍ..
قبل أن يأتي وقوع الواقعهْ
من يهتدي لمواجعي قبلي..
كأمٍّ لم تزلْ.. تستشعر الألم الدفينَ
بعمق أعماق البنينِِ
بدقةٍ.. وصرامةٍ.. ومتابعهْ
*****
لو أنني.. يا سيّدي!
لا قدّر الله.. استربتُ بطالبٍ أو مطلبِ
لو خالجتني ريبةٌ..
أني أمام حكومة نصّابة ومخادعهْ
شطبتْ حقوق المخلصينْ..
نهشتْ قلوب بناتنا.. ثمّ البنينْ
وبدتْ بظاهر أمرها متواضعهْ
ما كنت.. لا واللهِ..
أقبل أن أفرّط في الحقوقْ..
ولكنتُ أعلنتُ التمرّد والعقوقْ
وجمعتُ لجّة ثورتي..
من كلّ عينٍ دامعهْ
*****
لكنني يا سيّدي!
آمنتُ بالفوز القريب لأمّتي..
وبأنّ ظلماءَ الدُّجى متراجعهْ
أدركتُ أنَّ العصمة الغرّاء ليستْ للبشرْ..
جلّ الذي أبداً تنزّه عن زللْ..
والناس أمثال الدولْ
والخير فيمن لا ينام على دَغَلْ
بل يستردّ إلى صراط مستقيمٍ
حكمَهُ.. وشرائعهْ
*****
***