الوقت في رمضان: إدارة لقطع ساعات الانتظار أم سيف لبتر الفوائد
يقفز الوقت في رمضان ليصبح العنصر الأكثر حضورا في حياة معظم الصائمين، لا سيما تلك الساعات الممتدة من صلاة الفجر إلى صلاة المغرب، ويعجز غالبيتهم عن إتباع الأسلوب الأمثل لملء تلك الساعات، بأعمال مفيدة تبعد هاجس الجوع والعطش من أذهانهم.
فالثلاثيني فؤاد، مثلا، لا يدرك ما هو العمل المناسب، الذي سيقضي به ساعات النهار في شهر رمضان، مبيناً انه يعود من العمل في وقت مبكر، ويبقى ساعات طويلة في المنزل، منتظراً وقت الإفطار، من دون معرفة ماذا يفعل أو كيف يقضي وقته بأمر مفيد.
ويضيف أن التعب والجوع والعطش تجعله غير قادر على القيام بشيء سوى انتظار آذان المغرب، متمنيا أن تكون هناك طريقة لإدارة وقته على نحو إيجابي ومفيد في ساعات النهار الطويلة.
اختصاصي علم الاجتماع د.حسين محادين يرى أن من الواضح أن عملية تنظيم الوقت وإدارته لا تعتبر سلوكا موسميا، كما يفترض، خصوصاً وأن الوقت مورد نادر من حيث تخزينه أو تدويره، أي إن الوحدات الزمنية التي يخزنها المرء من دون استثمار إيجابي لها لن تعود بالنفع على المرء، ولن يستفيد من عدم تنظيمها.
أما بالنسبة لحال شهر رمضان، فيرى محادين أنه من الواضح أن إحساس الناس بالوقت يبدو إحساساً متثاقلا،ً خصوصاً أن رمضان برمته هو كسر للاعتياد لما ألفه الناس طوال العام، ويرتبط بـ"حرمان أوعى للفرد من الحياة الماضية"، لذلك نجد الصائم يقع تحت ضغطين، أولها فسيولوجي مرتبط بالغذاء وغيره، وبهاجس ترقب الوقت، وعليه تبدو هذه استثنائية مرهقة للصائم العادي.
وحال فؤاد لا يختلف كثيرا عن حال معاذ، الذي يرى أنه، وعلى الرغم من استغراقه مدة طويلة بقراءة القرآن والأدعية، غير أنه يجد وقتا كبيرا من الفراغ قبل ساعات الإفطار، مبيناً أن الجو غير ملائم للخروج أو عمل أي شيء خارج المنزل، غير أنه في الوقت نفسه، يجد أن وجوده داخل المنزل لا يعينه على ترتيب وقته، لأن هناك أمورا يجب أن يفعلها وتبقى عالقة، على الرغم من وقت الفراغ الكبير المتاح أمامه.
وفي المقابل، يرى فؤاد أن رمضان يعد فرصة أيضا لاستثمار الساعات المتاحة خارج وقت العمل، لتهذيب النفس بالقراءة الدينية والعلمية، والتذكر بأن شهر رمضان كان شهرا زاخرا بالفتوحات الإسلامية على الدوام، أي أنه كان شهر عبادة وعمل معاً، لافتا إلى أنه "من هنا، نجد الفروق الفردية في التعاون في رمضان بين مستثمر لوقته في البحث عن الثواب، وبين متكاسل يعد الأيام أو ينتظر الساعات التي تمر أمامه من دون استثمار إيجابي لها".
ويشير إلى أن عملية تنظيم الوقت وإدارته، هي عملية قابلة للتعلم، ويمكن اكتسابها بتوافر عنصرين خصوصا في بدايتها، أولهما كسر الاعتياد والروتين، وثانيهما الرعاية الداخلية لاستثمار هذا الوقت، وهما وجهان منتجان لمعنى رمضان.
أما العشرينية منى، وحال عودتها إلى المنزل، تهيئ نفسها لورشة عمل كبيرة، نظرا لتوفر الوقت الكبير، ومن ثم، وبمجرد حلول ساعات ما قبل الإفطار، تبدأ بالخروج لإحضار بعض مستلزمات المنزل، والانهماك، وفي بعض الأحيان لا يكفيها الوقت، فكثيرا ما يرفع الأذان قبل وصولها المنزل، لافتة إلى أنها، وبالرغم من اتساع الوقت، لكنها تجده ضيقا في بعض الأحيان.
الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، يرى أن الفكرة الأساسية في رمضان، تقوم على كونه عبارة عن دورة تدريبية سنوية لإدارة الوقت، فهو بمثابة أعمال ذات مواقيت محددة، أما وجود وقت طويل من الفراغ فيدل على خلل، مبيناً أن مجموعة الأعمال يجب أن تقسم على عدد الساعات المتاحة لكل شخص، وقد يكون هناك استحداث لمهام وعادات جديدة، على غرار القراءة مثلا، والتي يؤدي تكرارها لمدة ثلاثين يوما إلى جعلها عادة دائمة لدى الشخص.
ويضيف أنه إذا كانت هناك أعمال مؤجلة طوال العام، فيمكن تنفيذها في شهر رمضان من خلال الوقت الطويل المتاح به، لافتا إلى أن كل ذلك لن ينفع إذا كان الشخص غير مقتنع، ذهنيا، بمسألة إدارة الوقت، معتبرا أن رمضان يمثل فرصة كبيرة غير متاحة دائما، ويجب استغلالها، سواء بقضاء الوقت مع الأهل أو الأبناء، أو حتى بين الشخص ونفسه، وهي مسألة ذهنية سلوكية في الوقت نفسه.