من يد الوطن
إلى أبي... في ذكرى رحيله السابعة
توالت السنين على رحيلك يا أبي ... وأنا في مثل هذا اليوم، من كل عام، أتجرع مرارة اليتم من جديد!
أتصفح ملامح وجهك في المنام... فأراها جميلة؛ لم أكن أجد الوقت لأتصفحها وأنت حيًا، بينما أنا أتجول على أرصفة الشتات.
أحاول أن أقترب أكثر لأسمع بحة صوتك عن قرب ... لكنها تأتي سريعة؛ لا أستطيع أن أضمها إلى قلبي، وأعانقها بشوق وحنين طال عمره لسنوات.
أشرب قهوة الصباح وأتذكر فناجين القهوة التي كنت تعدها إلينا حينما كان يشرق الفجر علينا وأنت بيننا... كانت حلوة كثيرًا... لم أكن أدري أنك تمنحنا السكر بزيادة لنذيب مرارة هذه الحياة.
لا أحب التذمر والشكوى؛ فقد أصبحت عادة متأصلة في الجميع... وأنا لا أحب أن أكون واحدة من هذا الجميع!
أطلت عليك يا أبي، وأحضرتك من مكانك وزمانك، إلى مكاني وزماني ليس لأقول: كم اشتقت إليك يا أبي؟! بل لأقول: من ليس له أب... ليس له وطن يا أبي!
بعد رحيلك رحل الوطن.
كنتَ أنتَ الوطن، القدس، قبة الصخرة، ساحات الحرم، الياسمينة التي تسلقت الجدار، دالية العنب، بئر الماء... كنت نسيم ذلك الوطن؛ فالوطن بعدك مات مخنوقًا يا أبي.
بعد رحيلك أغلقت المذياع؛ لا أريد أن أسمع أنهم خنقوا ياسمينتك، مزقوا دالية العنب، جففوا بئر الماء، جلسوا في أرض الديار... وتناولوا عشاءنا الأخير!
لم يعودوا يخشون شيئًا، لم يعودوا يهابون أحدًا؛ كنتَ أنتَ من يخشون، من يهابون حضوره، وجوده، فكره، لسانه، حديثه... حتى صمتك كان يرعبهم!
أما اليوم فلم يبقَ شيئًا إلا ودنسوه، سلبوه، أطاحوا به... إلا صورتك في قلبي، لن يصلوا إليها، وستبقى ترعبهم، ويخافونها، ويخشون منها الاقتراب.
سأبقى ابنتك يا أبي، سأبقى ابنة وطني، قدسي؛ فبيننا مشوار طويل سأكمله عنك يا أبي؛ كي نعود نكمل عشاءنا في أرض الديار، ويشرق علينا فجر القدس من جديد؛ فتصب في فناجين الصباح قهوة حلوة من يد الوطن.
إلى رحمة الله يا أبي