دارَ على أفلاكهِ في زمنٍ أتقن الصَّمت فيه كعزلةٍ محبَّبة، ثمَّ قفلَ محلِّقاً نحو مداراتٍ شاسعةِ الأبعاد النرجسيَّة... اعترتهُ في فضاءاتِها الرَّحيبةِ غُصَّةُ شعورٍ حالكة! كان قد آنسَ وَحشتَها في خضمِّ عمرهِ المتعِبِ طوراً! تسائلهُ رفيقةُ الرِّيحِ أحوالهُ أملاً بمسِّ حنانهِ بُعيد كلِّ سفرٍ قريب... وإذ طالَ سفرهُ في مرَّتهِ الأخيرةِ، أركزَ في بؤرةِ المجرَّةِ عنوانهَ الدَّائمَ في ثقبِها الأسودِ المهول! علَّها تستدلُّهُ عبر تموُّجاتٍ ومضيَّةٍ فجائيَّةِ المصدرِ والتأثير! ** الإنهاكُ الذي غلَّ جدران خلاياهُ عابراً نحو نويَّاتِها، ألقمهُ سكوناً مرتابَ الأركان! تذبذبت إبَّانهُ أحوالُ خفقاتِ قلبهِ مهمومةَ التواتُرِ! حتَّى أنفاسهُ الحرَّى، وقعتْ سبيَّةَ أفكارهِ الجامحةِ المضامين... يحملُ ريشةَ أحبارهِ المدلهمَّةِ المعاني، ويرسمُ بمحارفِها ما لن يفهمهُ هو نفسهُ عنه!! لا يبالي الصَّحائفَ المكفهرّةَ وقعَ أسلوبهِ -كما دائماً- ويبتسمُ ضوعةَ مراميها عنهُ، مسلِّماً لبهيمِ ليلهِ الحالكِ، صناديقَ أسرارِ أعماقهِ الغائرةَ! كنزهُ المكنون... ** على خطى الكتمانِ، أرشفَ لقرارةِ نظَراتهِ البعيدةِ المدى ديوانا، جمعَ فيهِ المسَّ والخبطَ المجونَ والجنون! في عالمٍ، كلُّ ما فيهِ لا يمسُّهُ بصلةِ اطمئنان... ختمَ على آخر صفحةٍ في ديوانهِ بنقطةٍ كانت بحجمِ مجرتهِ القصيَّة، ثمَّ قابَ محلِّقاً من هالةِ الشَّمسِ، كيما تلفعَ حرارتُها آثارَ هذيانهِ الجسيمِ، قبلَ اختفائهِ دوَّامةَ الواقعِ، حاسرَ الضَّميرِ، حاجبَ الأعماقِ، مرموزَ التَّصاوير...