رست قدماي المتعبتان فوق الرصيف المؤدي إلى مبناه المتواضع الذي يسكن فيه، صديقي وسيم الطلة الذي طالما جذبني بأناقته ولباقة كلماته.كانت والدته على مقربة مني، عندما أشارت إلي بالصعود إليه والجلوس معه على شرفة منزلهم الجميل الذي لايبعد كثيراً عن منزلنا المتصدع من صراخ والدتي وشجارها مع جيران المبنى!
صعدت سلم المبنى بكل هدوء وتأني، كنت كلما اقتربت من منزلهم، يفوح في الأجواء شذا عطره المفعم برائحة الكرز المبهرجة، ما إن وصلت أمام باب المنزل بدأ خفقان قلبي بالتسارع، ووجنتاي بالتورد، نظر إلى مبتسماً، ثم دعاني للدخول إلى الصالون الأنيق الذي تضغى عليه لمساتٌ ناعمة تميل للأناقة الشديدة مع البساطة والتواضع، بلون الورد كانت الأرائك المخملية تزين الزوايا التي لاتمل من استقبال الزوار، إلى يمين الصالة بيانو وبضعة أوراق من الأعشاب البرية التي تفوح رائحتها لتختلط برائحة عطره الجذاب.
دعاني للجلوس، بينما عيناه تحاصران حركاتي ونظراتي، تلمس أناملي ببراعة فارسٍ يتقن فن جذب فريسته، لأستسلم لرغبته في أن يتلمس أناملي برهةً قصيرة جداً، ثم يبتعد لينشغل بتقليب نوتة موسيقية كان يعزفها قبل مصادفتي والدته بقليل ..
قطعت تأملاتنا سيدة ممتلئة القوام رشيقة، في عقدها الرابع، لتقدم لنا عصير الكرز مع بعضٍ من البسكويت المحلى شعرت بلذة من نوع خاص، رائحة عطره ورائحة العصير، تتداخل في الأجواء روائح الفاكهة ليشعر كلانا باضطراب في الأنفاس، وارتباك في الحديث!
ما إن جلست تشاركنا الحديث، حتى تبدد الخجل وبدأت الكلمات تتهاطل، ليصبح صديقي واحداً من أقرب الأصدقاء الذين أحببتهم، وتمنيت قربه على الدوام!لكنني لم أعهد من الحياة أن تمنحني ما أشاء وأبداً ترضى بمنحي مساحة للسلام والتصالح مع الأيام، تناولت حقيبتي الصغيرة التي أودعتها مناديلاً ملونة بلون الكرز الذي راحت رائحته تفوح في مختلف الأرجاء وأنا أنسحِبُ بهدوءٍ من مساحاته التي أحببتها، رويداً رويداً..