في آتون التفكر..
رشاقة الأنامل ..
تثير الفرح..
بهدوء ينحدر الحبر ..
لا يوجد هواء خال..
من الحزن ..
يعتريني ينفجر...
عند نهوض الشمس
تجر نفسها وحزانى
باتجاه الغروب ..
حين يرخي الليل سدوله
الوجد يلتهم الحواس ..
أمواج الحياة ..
تملأ جمجمتي
تندمج ..
عندما لا يشدنا الشوق
للسماء ..
قال لي :
الحياة .. أي الفترة الممتدة بين الولادة والموت .. لا معنى لها.. أنها عبث... مأساة ساخرة.. نظام قهر وظلم.. ولكن الإنسان بذاته يستطيع أن يملأ الحياة بمعنى.........
قلت له :
إن الله سبحانه وتعالى .. خلق الخليقة ليعبدوه.. وما من شيء .. إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، أي أنّ ممارسة الحياة.. بذاتها عبادة.. هذه مهمتنا. فالعبادة المقصودة هنا ليست عبادة صوم وصلاة فحسب .. بل الحشرات .. والورود..وجميع الكائنات .. تسبح الله وذلك بممارسة وجودها وحياتها. أنا أجد أن عبادتنا هو الإنصات للرسالة التي تصرخ داخلنا كي تخرج إلى الآخرين."
فجأة ذهب فكري إلى ذلك الوقت الذي في وقت غير كلّ الأوقات حيث الزمن يمشي رعبا .. والاقتراب مسافات بلا نهاية.. كسراب تحت قيظ الصحراء.. والسماء حمراء.. والهواء لهيب محرق.. وحيث البحر غارق بلون الدم .. يمد على جنبي الصراط ألم الانتظار..
ضياء الحق ينابيع
وأريج رياض الأنبياء
تجري كلمات ..
ضوء في ينابيع الخلجات ..
لن يعبأ حين يضجر السكون ..
في الطريق للشمس
تصبح الأحلام حلقات ..
تحتفل على مائدة التفكر ..
لقدوم المشتاقين..
إلى صراط النور ..
لن ينبلج عمود الفجر ..
قبل احتراق الأوهام ..
وصليل الظنون ..
ليكون الليل ..
ضوء ينبعث للسماء..
يفقدنا السؤال
عن الوجود ..
والوقاية ..
لعل الطرقات ترشدنا
نتلقفها
كرة في مضمار الحياة
أتسأل عن المديات ..
قبل.. وبعد ..
نزيف صحوتي ..
أنشدتها لغة الأقدار
كانت تقف حشرات وورود تتحرك في خطواتها ببطئ على تلك المسافة المستحيلة نحو المجهول.. أقدامها مدمية بأشواك العاقول.. مكتظة بالألم الصارخ والأمل الضائع. تمشي في عراء حاملة أفعالها بين كفيها في فزع، مأخوذة بالدّهشة.. إلى عالم يلفه الحطام.. مرتبكة في ضياع، متوسّلة في انتظار مجهول.. متعبة من سواد المكان.. مكشوفة على حقيقتها وواقعها......
هناك كنت أراها .... في ذلك المكان النائي ... مدينة أشباح بكلّ أمواتها ومسارات وعلامات لبؤس رهيب. كائنات بشتى أنواعها غرقت تحت قوّة الموت..
مخلوقات شاحبة تطفئ البهجة في ذلك السّواد المعتّم الذي يعمّ المكان.. ما عادا ذلك الصراط الطويل الأزلي حيث كان ضوء ضعيف مسلّط عليه.. نوره كئيب قابض للصدر، بحيث يمكن للمرء معاينة تلك المخلوقات العظمية، تمشي في طوابير لا نهاية لها.. تبكي قلبها الأعمى.. تتساقط .. تتلاشى هونا على جنبات ذلك الصراط .. دموعها تلهث كالعطشان خلف السراب ونحيبها يتكسّر ويرتمي مبعثرا في ذلك الفضاء القاتم السواد.
شعرت ببرودة تسري في أوصالي من خوفي. أنظر إلى تلك الحشرات والورود ملتسقة ببعضها من هول الأنين والتأوه الذي كان يتصاعد ليصبح زمهريرا رهيبا..ويقلع تلك الورود والحشرات من ذلك الصراط ويرمي بها إلى لهيب السعير.
صرخت ....
التفت إليّ ملاك كان بجانبي، توسلت إليه أن يعفو عنهم، لأنهم فقط حشرات صغيرة وورود لا حول لها ولا قوة. كانت ورودا تزين الحدائق .. جميلة تمتع الناظر إليها .. مزركشة تبهر العين بألوانها ..... أليست ممارسة حياتهم عبادة بحدّ ذاتها؟ أليست هذه هي مهمتهم؟
قال الملاك وهو مشغول بالنظر إلى تلك الحشررات والورود تتطاير داخل السعير. غالبا ما يفكّر الناس أنها ورود جميلة بريئة، لكنها في الحقيقة بعضها قاتل.. يحوّل نظره إلي ويضيف.. إن عالم هذا النوع من النبات والحشرات مليء بتحالفات غريبة مستعملة أنواع الأسلحة.. للصراع من أجل الحياة .. أو الموت..
تفكري ..
لتذوب خلجاتك في الخلق..
ليضع مخزره الألم ..
في خلدك والنواظر
يشع من جبينك
ألف عام عبادة ..
تطرد الشك ..
ونومك على يقين ..
صلاة ..
ولكن ماذا عن تلك الحشرات المسكينة ..؟ إنها صغيرة لا حول لها لها ولا وقوة إنها ضارة على الأشجار وصحة الإنسان وتتلف المنازل. نعم، صغيرة لكنها مزعجة ومؤلمة تلسع، ماصة للدماء لا ضمير لها ولا مشاعر، ناقلات للأمراض. ألم تر كيف أذت هذه الحشرات أشجار السرو الشامخة مستعملة خيوطها وخراطيمها وأشواكها؟ ألم تري كيف تدخل على حياة الإنسان وتسبب له البؤس، تنهشه، تعضه، تصمّ دمه في سكون الليل، وتتركه يتأوه وجوده على مأساته المستحيلة..
إن حياة الورود والحشرات في البساتين لا تختلف في الواقع عن حياة الغابة. عالم هذه الكائنات مليء بالمنافسة وفي الواقع إنها عدوانية ليس مثلما تتصور. كلها تتصارع على الماء والضوء .. بعضها ينافس مباشرة محاولا أن يفوز ويصل إلى النور .. تسعى جاهدة في الارتفاع كي ترى ضوء الشمس
عن حياة كانت يوما ممتدة بين الولادة والموت والتي كانت لا معنى لها ... مجرد عبث، مأساة ساخرة هم ابتدعوها، نظام قهر وظلم هم صنعوه بأيديهم واقترفوه بسلوكهم من غير رحمة داعسين على أرواح طيبة تحت شعار: "الإنسان يستطيع أن يملأ الحياة بمعنى". قلبوا الآيات وعبدوا وسبّحوا ..
تفكري
أنا طائر
قدماي تخطان الأرض فصولا
ولآخرون..
يصنعون شباكا..
لأ صدياد الخطوات ..
الكلمات..
تثقل وجه الضوء ..
لترى الارض
حقلا للصيد..
وخيالا ينبت فخا ..
لجنوح الظل..
نسميها فصولا ..
تهرب ..
أو أرضا ..!
تحت مخابئها..
ترقد ريح وطيور ..
عباداتهم لم تكن صلاة .. ولا صوما.. بل قذف.. ونميمة وتجنّي ..على الخلق.. كانوا حشرات.. كما كانوا ورودا شائكة .. او بشرا..الجميع تمارس وجودها من اجل البقاء .. بطريقتها.. وتعبد..وتسبح .. وتدعو..
تستعمل الحدّة في التنافس.. مستعملة كلّ أنواع سلاحها الشرعي.. والغير الشرعي.. كي تفوز..
هذه الكأنات ذكرياتها سحيقة دعس عليها الدّهر من كثرة ما دعست، وتجنت، وطغت ... تتوالى عليها الفواجع في دويها من كثرة ما تمنت لغيرها الشقاء والبؤس .. والموت.. أيامها تفرّ حتى لا تمهملها فجر آخر، سوف يمحي الدهر أثرها ..
منذ البدء..
الحرب بيني وبين الشيطان ..
سجال..
سلاحها الظنون..
ساحاتها عناوين التهم ..
جعلته محور اصطراع ..
جعلني أرجوحة ..
للفرح .. للبكاء ..
يا رب ..
أنزلتني وإياه .
ارض الجنون..
قريب..
يسكن الإحداق والكلمات ..
يا رب ..
كنت مسافرا
صنع بابا خلف المجرات ..
لتنفذ سفينتي ..
محملة كانت بالهموم..
وتعضه الأحلام ..
منذ البدء..
يا رب ..اعلم
لحظة بين الموت والحياة..
سأرمق طرفا للسماء ..
لا ترد توبة .