مدينة الوجع
الفصل الاول
ليالي بودير
حاول إستعادة صورة ‘‘ الدرب‘‘.. كما ظل في مخياله من ذلك الزمن الجميل .. ليستعيد باستذكاره ذاك .. ليالي بودير .. ما بين حي الحجوي.. حيث كانت دارهم في ذلك الزقاق الثاني من بداية ‘‘ راس الدرب‘‘.. على اليسار..
رقم الدار لازال محفورا في رأسه كشيء منحوت.. بل هو منقوش في حفريات الذاكرة.. كذكرى لاتزول .. رغم حفريات الزمن والمحن...
{{ رقم 15}}...
هكذا قالها بشرود باد على محياه .. وقد وقف مليا أمام مدرسة عائشة أم المؤمنين.. ثم إستدار بطريقة تلقائية .. آلية إلى الجهة الأخرى.. ناحية الشمال..
عن اليمينه درب آخر يؤدي الى دار الجد.. الحاج أحمد بوزيان .. في حي بلعباس .. ومن الجهة اليسرى.. طريق ممتد أهم ما يميزه تلك الصومعة لمسجد ليبيا... هكذا كان يسميه دائما.. رغم أن الجميع كانوا يعرفونه باسم مسجد الحسن الثاني..
تراءى له من ذلك المكان.. فلاذ للصمت المهيب العصي.. وكأنما هو واقف يقلب دفتر الزمن في صفحاته المطوية القديمة المهترئة..
تذكر ذات شجن عندما سأله البوهالي {{ مقدم الحومة}} بعصبية وقد بدا قلقا موحشا في بداية غضب شديد.. وقد تطاير رذاذ أبيض من فمه المهترئ..
{{ لماذا؟؟ لاتسمي المسجد باسم سيدنا ... أعجبك القدافي ...؟؟}}
ساد الصمت المهيمن قبل اندلاع عاصفة مرتقبة..
قالها وهو يضغط بقوة ونرفزة على حرف السين بشكل مقزز...
{{ ببساطة لأن اسمه مسجد ليبيا...}}
احتد النقاش ثم تحول الى تحدي...
جحظت عينا عون السلطة الذي دأب على المشي مختالا بين الناس ,, لإحساسه الشديد بالامتلاء من سلطة {{ المخزن}}.. حتى خال نفسه كالطاووس وهو يمشي اختيالا وعجبا وتيها...
فهو عون السلطة وعينها ورجلها ويدها وممثلها .. بل هو{{ المخزن}} بنفسه.. بعد ان امتلئ به حتى الثمالة...
كان كل شيء في ذلك الزمن صدئا...
ذلك الصباح وقف الجميع سيف الدين والبوهالي وبعض الرفاق والفضوليين,, وقفوا جميعا أمام تلك الرخامة المستطيلة الشكل وقد نقشت عليها بحروف ذهبية .. مناسبة تشييد المسجد واسمه بخط واضح كبير {{ مسجد ليبيا}}..
كم كانت الصدمة بالغة تجلت في إمتعاق وجه البوهالي... لم تسعفه كلماته على الخروج من فم محطم الأسنان.. لملم تلابيبه .. ثم انتفض كديك شركسي ثم مضى وهو يسب ويلعن ...
تابعته العيون إلى أن إختفى وهو يجر معه خيبته كسلحفاة تسحب معها قوقعتها في صمت.. وغصته تكبر في صدره...
{{ كيف.. مسجد ليبيا.. اللعنة بل مسجد
س ي د ن ا...}}
ولو طارت معزة..
كان سيل تلك الذكريات يتحرك كصفحات هادئة من نهر الذكريات... و سيف الدين يسترجع حلقاتها رويدا رويدا بعد سنوات من العتمة القاتلة