و زائرتي كأنّ بها حياء… فليس تزور إلاّ في الظّلام
فرشتُ لها المَطارِف والحشايا…فــعافتْها، وباتَتْ في عِظامِي
قالها المتنبي ذات ليلة عصيبة حرم فيها لذة النوم فراح يشتكي حمّة أصابته واشتدّت عليه فكانت ضيفا ثقيلا أذاقه من العذاب ما لا يتحمله أقوى الأقوياء. ضيفي أنا من نوع آخرو إن كان مثل ضيفه غير مرغوب به ،هو الآخر لم يستأذن وجوده ببيتي.كان يعلم كرهي الشديد له ولكنّه لم يبالي بأذيتي وكأنّه يريد انتقاما أجهل سببه. لو طرق بابي ما فتحته له ،مع أنني مشهود لي بسخائي وكرمي. حتى و إن أقمت وليمة ماكنت لأدعوه إلى مائدتي ،لأنّه ضيف غريب لا يأكل إلاّ من صنع يده .والأدهى والأمرأنّه لا يسأل طعاما بل يأخذه عنوة و أمام مرأى ومسمع الجميع.ضيف لا يعرف الحياء ولا يقبل انهزاما.إن رأيته سخرت من ضعفه ورحت تطارده بلا شفقة،لا أظنك عرفت أعند منه.
جهّزت عدّتي ورسمت خطتي لاستقباله،فهو ضيف يحسب له ألف حساب .كلّ أسلحتي هاهنا تنتظر صفارة الانطلاق لخوض غمار حرب ضروس يعرف فيها الخاسر من البداية.بتّ ليلتي أترقب مجيئه من جديد لأنني أعرفه لا يملّ ولا يكلّ وحتما سيعاود زيارتي.
حلّ الليل وفرض أجنحته على الوجود فرسم له الطريق نحوي وراح يختال في مشيته في كبرياء تتقدمه سيوفه القاطعة وتسبقه إلي موسيقى خفيفة ولكنّها مزعجة ،لا أظن أحدا يرغب بسماعها.موسيقى تتجاوز حدود الاذن لتتربع على عرش الفكرفتفده الهدوء والسكون.
تقلبت يمنة ويسرة علّه يفقد توازنه فيتركني و شأني،استعلى واستكبر.تذكرت حينها المتنبي فكثّفت المطايا من رأسي حتى قدماي ،فعافتها وبات بين أحضاني.ظلّ يساومني في طعام، أغذيه ولا يغذيني.قضيت ليلتي أصارعه بمفردي والليل يراقب المشهد في خجل فقلت : ألا أيّها الليل ألا انجلي بصبح .هو يعلم علم اليقين أنّه برحيله يرحل الألم ويحمل معه هذا الضيف العنيد.طلع الصبح وانتشر الضياء ،فحاولت أن أنام بعد هذا العناء ولكن أشعة الشمس اخترقت زجاج النافذة ورسمت ابتسامتها في كل أرجاء الغرفة ،قفزت حينها من مكاني أتحسس نبض ضيفي المشاكس فلم أجد له أثرا غير رسومات حمراء على جسدي.