أضغاث أحلام

أضغاث أحلام
لم أنس أبدا قصتي مع هذا المنزل الصغير الذي لم يتجاوز عن حجرتين ومشاية بالوسط تصل بين حجرتيه . لقد تربيت ونشأت فيه وبين أحضان أبٍ حنون وأمٌ قانعة مثابرة لطيفة الجانب لا تفتر ولا تكل . كان هذا البيت مختلفاً تماما عن كل البيوت التي أعرفها بالرغم من ضيق مساحته ورحابة صاحبه وشهامته تجعله مختلفا ليس له مثيل في البيوت التي دخلتها....! كان صاحبه لين الجانب كريماً مضيافاً يحبُ أهله ويسعى إليهم . يسأل عن الصغير وعن الكبير ويزاورهم ويعاود المريض ويؤاز الضعيف هكذا كان دأبه بالرغم من فقره فلم يكن غنياً أو ذو مال وإنما كان سعيهُ على قدر قوت يومه لكنه صاحب خصال لم يختلف عليه اثنان في وده وكرمه وشهامته ....كنت أرى هذا البيت الصغير مثل التكيه من كثرة الواردين عليه .... سألته يوما وكنت حينها صغيراً لماذا تطعم كل من يأتي إلينا ؟ تبسم في وجهي وجلست وجلس أمامي وأمسك كتفي بيده وهو يهزني ويربت على كتفي وقال :يا ولدي اللُقَم تمحو النقم .. كأنه يريد أن يغرس بي ما هو مزروع فيه ..... ولم يعرف أنني أخذت منه كل خصاله ، وقد تغيرت الظروف ورحل صاحب البيت ولاقى ربه وتركني . وقد رحلت بعده تاركاً تلك الدار الصغيرة وذهبت بعد أن أكلمت دراستي ثم إلى موطن أخر مؤقت ، وضِعتُ فيه قيد العمل وطال المكوث وتعدى الخامسة والثلاثين سنة من عمري ، ولم أنقطع عن هذا البيت الصغير بل كنت أعاودة الزيارة والمكوث به من حين لأخر واليوم وقد جئت لأستقر ولأفتح باب هذا البيت من جديد ... ظناً مني وتصوراً أني ساجد وأرى من كان يأتي في عهد أبي سيأتي إلينا .... وانتظرت ....!وقلت : والتمست العذر للقريب والبعيد ، ربما ..!يكونوا في مشاغلهم .. لكن مضى الوقت وتسربت الأيام وأنا أتطلع وانتظر .. وقد عشت الليل بطوله وما من شروق لأحدٍ منهم ... تسائلت أيكونون قد أخذهم آخذ ولم أعلم بهم؟ أم أخذهم هادم اللذات ؟أم هبت الريح فجعلتهم قاعاً صفصفا ؟ أم صاروا كعصفا مأكول ؟ أم طرحتهم الريح فأردتهم جميعا أم أخذتهم إلى كهوف الجبال وأوديتها ؟فكل شيء جائز في زماننا ... فطرحت الإنتظار ورحت أقتله بالفرار فخرجت إلى الشوارع والدروب أتسكع وأطوف على أقدامي وأقتل معاناة الجفاء وإنكار الذات . خفت أن تستدرجني عوامل الوحدة وترهقني الكوابيس في الصحوة فعدت أدرجي مبتلٍ بوبال ٍ ... أحسست هنا والرغبة تملكني أن أعبد طريقاً لقدماي كي أمر فيها غير الطريق الذي سلكه هؤلاء الكهان .. كانت صرخاتي بداخلي مؤلمة لا تتوقف وخشيت أن يتلون وجهي باللون الأصفر القاني ... ألهذا الحد أصبح الناس وحوشا برية أين الوفاء واين الندية ؟ نعم لقد تبدلت الدنيا وأصبحت صفراوية المزاج
متغايرة السلوك .. وكان السؤال الذي ما زال يلح ، لا تتركني بإي حال في هذه الغابة . إلى أن يصحوا الناس ويكون الوئام ؟
وما زلت متيقظا لم يتحقق الحلم
أضغاث أحلام ......
للموضوع بقيه
بقلمي :سيد يوسف مرسي