أن الطريق الوحيدة لأن تَكتسب لغةُ الشعر الامتيازَ والتفرُّدَ والتميُّزَ، هي أن تختلف مصطلحاتها وكلماتها ومجازاتها وصورها عن لغة الكلام العادي.
اقتباس:
لم يذق طعمَ الحبِّ قلبي المولهْ
هو صادٍ فكيف تكفيــــه ِ قُبلَهْ؟
جاءه من قديمِ عهدِ الأمانــــــي
قلبُ صبِّ يطوفُ بالكأسِ حولهْ
أ يبُلُّ الصَّدى ويروي صبـــــاهُ
أم يجافــــي من بالحنين أظله ْ؟
لم ينم خدُّه الأسيــــــلُ بكفــــي
وكفانـــــي بأن أراقبَ ظلَـــــه ْ
لذلك تميز الإيقاع في قصيدة (قلبي الموله) بصورته الفنية في بنيته النظمية والبلاغية والدلالية والمرئية.
فهو إيقاع داخلي أكثر منه خارجي ينبع من عناصر تشير إلى عدد من الدلالات السطحية والعميقة في القصيدة، كما في(أ يبُلُّ الصَّدى... ) إنه قد يبدو صدى لمعنى القصيدة، وقد يؤكد المعنى ويطرح معاني وتفسيرات وظلالا للمعنى ويمكن استخدامه لإثارة المعنى وللإيحاء بالصراع داخل بنيةالقصيدة حين ترضى وتكتفي بأن تراقب ظله.
اقتباس:
مستهامٌ أجري وراء ظنونـــــي
ويقينــــي لكـــي أفوزَ بطلــــــهْ
إنني لو ظمئتُ منه دنت روحي
وأسقيـــــتُ خمره الحلو كلــــــهْ
أن التماثل الصوتي للتفعيلات العروضية يعد عمدة المؤثرات الصوتية في حدوث الإيقاع الموسيقي في النص الشعري، ويرجع هذا إلى أن الكمية الصوتية للتفعيلة الواحدة تحوي أكثر من مقطع صوتي، وعندما تتماثل هذه التفعيلات يحدث تماثل صوتي لأكبر كم مقطعي في القصيدة؛ وبذلك يشكل الإيقاع الموسيقي بعدا جوهريا في القصيدة من خلال تماثل هذه التفعيلات.
إن الحس الإيقاعي شرط مهم في الشعر العربي خاصة، وقد تجسد هنا في الإيقاع اللغوي إضافة إلى صور الإيقاع الأخرى ومن نغمات؛ مما يسمو بالموسيقى الداخلية للشعر ويكشف عن النمط التحتي للحقيقة العليا؛ أي غور المعنى الكامل للمعاناة والتمني.
اقتباس:
أي صبرٍ في الكونِ يكفي انتظاري
إن أتاني وبعد وصلـي تولهْ ؟؟؟؟؟
يبحثُ الحبُّ عن فؤادي ليشقـــــى
من تُراه الذي علـــى القلب دلهْ ؟؟
فوق شوك الظنــــــون سار وحيدا
وهواه الذي هداه أضلــــــــــــــــهْ
متعبٌ من جمر السهـــاد بصدري
كيف يبرا المشوقُ ممن أعله ْ ؟؟؟
ألفُ عامٍ مضت بغربةِ روحـــــي
ليتني ما فارقتُ يومـــــــــــا محلهْ
ان حُسن وقْع الألفاظ، وجودة جَرْسها،(أي الإيقاع) وائتلاف الحروف في مخارجها، والتجنيس الحسنوتوظيف الحركات الشعرية وظيفة إخراج المتلقي على الواقع من طريق إثارة تشويقه وفضوله، ودفعه إلى التأمل وهذا ينبه إلى وجود عنصر زماني معين في الإيقاع، إذ ان النسب المكانية تكتسب قيمة زمانية حين تعمل بعض المساحات على اجتذاب الحس مدة أطول من بعضها الآخر.
اقتباس:
لو حرامٌ فـي الحبّّ هجرُ العذارى
أتُرى من فـي سفر عمري أحلـهْ؟
ما عرفتُ الهوى ولا زارني يومًا
بحلمــــــي وتلكَ بعضُ الأدلـــــهْ
إننـــــــــي مـــا عشقتُ إلا جنونَ
الشِّعرِ في وصفِ من يرانيَ أهلهْْ
إن الإيقاع في قصيدة الشاعرة فوزية شاهين ليس مجرد الوزن الخليلى أو غيره من الأوزان بل هو لغة ثانية لا تدركها الأذن وحدها بل الحواس، فالإيقاع هو الوعى الغائب/ الحاضر وله علاقة ثنائية بالأجواء الشعرية فهو يستحضرها و يبثها، إنه النظام الذى يتناوب بموجبه مؤثر ما (صوتي أو شكلي) أو جو ما (فكري أو روحي)، (حسي أو سحري) وهو كذلك صيغة لعلاقات (التناغم، التعارض، التوازي، التداخل) إذن هو نظام أمواج صوتية ومعنوية و شكلية.
اقتباس:
رُبَّما لم أجد نديمًـــا لعمري
في عيونِ الكونِ المتيمِ مثلهْ
إنَّه الشِّعرُ معبدٌ وأنـــــا لمّا
أكن في محرابــهِ غيرَ قِبلهْ
كلما ذقت طيِّباً من لمـاه
خلته في فمي ” الموله قُبلهْ
أن للقصيدة هذه إيقاعها كما للصورة – فإن القيمة الجوهرية لمفهوم الإيقاع فيها ليس ملزما على نحو أقنومي، بل هو عنصر دلالى بالغ الإتساع، بحيث منح الشاعرة أكبر مساحة ممكنة من الحركة و الفعل الشعريين غير مقيدة بكيان شكلي معد سلفا.
وأن الطريق الوحيدة لأن تَكتسب لغةُ الشعر الامتيازَ والتفرُّدَ والتميُّزَ، هي أن تختلف مصطلحاتها وكلماتها ومجازاتها وصورها عن لغة الكلام العادي.
في الختام
أنّ للصّيغ النّحوية في (قلبي الموله) والتراكيب اللغوية دور في تشكيل وحدات موسيقيّة إيقاعية في النّص بالإضافة الى أنّها تُساعد على إبراز قانون الحركة والسّكون. كما تُوصلنا الى علاقة البنى ومجالاتها بذاكرة النّص، والمقصود بـ "ذاكرة النّص" هي أنّ الذّاكرة تتكون من كلّ المكونات العامة المتصلة بحياة النّص وصاحبته، سواء في إطاره الاجتماعي البشري أو الكوني الوجودي.