أحيانا – وأنا مستلقٍ على ظهرى – تمر بذاكــــرتى أيام قديمة من عمرى . بعضها قبل ســنوات طويلـــــة . بعضهــــا فيها شيئ من الأعمال الصالحة وأكثرها ملـــيئة بالأعمال الســـــيئة ، فاتحســـــر على ذلك العمــــر ، وأندم على ما كان يحدث منى ندامة الكســــعى ، وأتذكر أنها كلها مكتوبة فى كتابى الذى سآخذه يوم البعث إما بيمينى أو بشمالى أو حتى وراء ظـــهرى ، فيزداد ندمى على تلك الأيام . إنها أيام مرت كالســــراب ولم تدم إلا لحظات قلائل كقول الشاعر الأندلسى :
لم يكن وصلك إلا حلما – فى الكرى أو خلسة المختلس
إن تلك الأيام ، بمقياس الآن ، فقاعات لا وزن لها ولا قيمة ! صحيحٌ ما تقول الآية : " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " وما تقوله الآية : " وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع " وما تقوله الآية " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو"..
فى ذلك الزمن كان يُخيل لنا أن ما نجده من ملذات هو كل شيئ فى هذا الكون . وأن وجودنا وجود دائم . ثم ما لبث أن كشفت لنا الأيام أن تلك ما هى إلا أيام من مليارات الأيام التى سبقتها ومليارات الأيام التى ستأتى وراءها . الآن فقط عرفت ذلك . ...ولكن الإسلام دين الرحمة . من كانوا يلهـــــون معنا بعضهم أحياء وبعضهم أموات . فالحى ما زال أمامه فرصة للتوبة والاستغفار . ومن مات قُضى أمره . فمجرد الحياة يعطى الإنسان أملا فى تدارك ما فات . ولو كان لطول العمر حسنة واحدة لكانت فرصة التوبة والاستغفار !