لقد كنت منزعجا منه إذ كانت تضايقنى تصرفاته إزائى وتعليقاته الساخرة فكلما وجد مناسبةَ – أو اصطنعها - وجه لى كلاما محرجا..فلا أستطيع الرد عليه ردا حاسما مسكتا ، فقد كان رئيسى فى العمل وفى يده ما ينفعنا وما يضرنا من حيث مستقبلنا الوظيفى..فأتحمل إحراجه المتكرر لى رغم أنفى..وأنا ساخطٌ ألعنه فى قرارة نفسى..إلى أن وافاه الأجل المحتوم ذات يوم وصار فى خبر كان .
صرت أتذكره كل يوم وخاصة عندما أكون مع رفاقى ويمس الحديث تلك المناسبات التى كان يسئ إلى فيها المرحوم ويسبب لى إحراجا عظيما ، فأحمد الله فى سرى أنه رحل من هذه الدار الفانية..وأحمد الله أيضا أن من رحل منها من أمثاله لا يعود إليها أبدا فنكون فى مأمنٍ كاملٍ من شرورهم وأذاهم ، حسيا كان أو معنويا..مباشرا كان أو تورية .
إن من فوائد الموت العظيمة تخليص الطيبين من الأشرار والمجرمين وإراحتهم من أذاهم وأعمالهم القبيحة راحةً تامة..ليست راحةً مع حذر..ولا راحةَ مشروطة..ولا راحةَ يعقبها تعبٌ وندم بل راحة يتنفس فيها الطيبون الصعداء مع اطمئنانٍ تام من أن أحدهم لا يكون فى مخبأٍ ثم يفاجئه..فهل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزا ؟!