باحة بيتي الفسيحة الوسيعة لمّا أكنسها أكنس معها ما تراكم بدواخلي...تنفرج بكنسها كلّ أفق تلبّد واربدّ...أريق عليها الماء حتّى أرى وجهي فيها ...عمل يوميّ أتقنه كلّ صباح ...وكأنّي به أصارع أمرا خفيّا يصعب عليّ إدراكه..
أحيانا أستنكر هذا الجهد المضني الذي أمارسه بنفسي صباحا مساء ...ولكني أرصد بعدها راحة نفسيّةتمسك بي...ويزداد يقيني أنّ الحياة تصفو في ذهني وتتدفق صورها بمشهد مريح بسيط قد تشكله باحة بيتي بأصص النعناع والعطرشاء..وجرار خاوية معلّقة على الجدران أتملّاها فأرى فيها كنوز سليمان...عالمي الذي أحبّ تشغلني فيه رؤية الأشياء بطريقتي....
مساحة تسافر فيها نفسي وأصرّ على صنعها ببساطة ...
أكنس باحة البيت فتفاجئني أسراب النّمل من الشّقوق جذلى تسعى لجمع ما تبقّى ...
"فريق دبّ يمينا
فريق دبّ يسارا
ولكن بغير حوادث سير"
كنت أبذل مجهودا إضافيّا لتركها آمنة ...و كي لا أترك بكنسها مرارة قد تفسد عليّ نقاوة الصّباح
ويمطرني طوفان من الأفكار ...وأنوء بخيباتي في العثور على "فلس" يصير مع فلس وفلس كدسا ....فأم سيسي كانت تعثر على فلاليس صارت كداديس...أنا لستُ أمزحُ..فما المعنى الّا أعثر أنا أم أنّ الحظّ العاثر هو المعثور عليه..
أنتبه هنا إلى غصن يمتدّ كعائق يمنعني من رؤية جرّة خاوية معلّقة على الجدارويصير فصله غاية قصوى..فقد بدت لي وكأنّها تتحرّق وقد قطعت وانفصلت عن المشهد..لابدّ عليّ تحريرها من غبنها واغترابها ...فأعمد الى جلب السّلم وأتردّد في صعود مدارجه خشية الوقوع أرضا ..وقد حدث لي هذا سابقا وكادت عظامي تكسرُ...
وأخلص إلى تعذّر الأمر عليّ فأتجاوز ه وهو يشغلني ...وأنحشر طوعا أو كرها في أشياء أخرى تستقطب إهتمامي بدقّة ...فيبدو لي خللا ما في ترميم البيت برمّته ....
..مدخله..
.سقيفته...
صحنه....
فالبيت قديم وقد رغبت في اقتنائه لموقعه ...لجيرانه ...وجارتي شقيقة ينبثق من شرفتها الضوء فأسعد ...هي سندي وأنا سندها ..تحتويني وقت الضيق وتخلّصني من كلّ المتاعب ..
في باحة بيتي أداوم الكنس كلّ يوم فتمتلئ أحناء صدري بأحاسيس ناعمة...فأمضغ ما تخثّر وما شاغب وما أرّق...
سأداوم الكنس وأكتب لكم تباعا ...
يتبع...