اشتدت الحملة على العلم فى عصرنا هذا بين كثيرين من المفكرين من غربيين وشرقيين . ولعل السبب فى تلك الحملة العنيفة هو ما شاهده الناس من آثار العلم فى الحربين الأخيرتين . ذهبت ملايين النفوس ضحية فى ميادين القتال ، وفى معسكرات الاعتقال ، فى المراكز الصناعية ، وفى المدن الآمنة ، فى الجو وفى البحر ، وأخيرا بالقنابل الذرية التى تحمل إلى الناس أضمن موت فى أوسع مدى ، من غير تمييز بين المحاربين وغير المحاربين ! فكان طبيعيا أن يتساءل الناس عن المسئول عن تسليح الشعوب بأسلحة الفتك هذه . وكان طبيعيا أن يكون أول ما يخطر ببالهم جوابا عن هذا التساؤل أن القتل والدمار على اختلاف أنواعه إنما تم بفضل العلم وببركة جهود العلماء .
فإذا اعترض البعض بأن الحرب أمر شاذ فى تاريخ الإنسانية ، وأن زمان السلم مبرأ من ويلاتها ، نهضت الوقائع لتفنيد هذا الرأى . فهذه الآلات التى تزيدها جهود العلماء كل يوم دقة وابتداعا لم تقدم إلى المجتمع الإنسانى حياة السعة والرفاهية والاطمئنان التى طالما وعدوه بها . ويظهر أن فى وضع السؤال نفسه سخرية مرة . فالعمل فى المصانع ، ذلك العمل الذى لايكاد يترك للعامل وقتا للتنفس ، إنما يعقب فى الآونة الحاضرة التشرد والبؤس والبطالة فى أرجاء العالم حتى ليخطر ببال من ينظر فى حال بعض العمال فى الغرب أن الإنسان أصبح ، بفضل التقدم العلمى الصناعى ، عبدا للآلة بدلا من أن تُسخر الآلة فى خدمة الإنسان . ولم يفت حكماء الشرق والغرب أن يلاحظوا هذه الظاهرة العجيبة . فهذا رابنرنات تاجور يقول : " إن الحياة المادية القائمة على العلم تحلو لبعض الناس لأن لها صفات الرياضة البدنية . ولكنها خلو من العمق . وهى لا تحسب للطبيعة الإنسانية العالية حسابا " . وهذا اينشتاين لايقل قسوة فى الحكم على العلم عن حكيم الهند إذ يقول : " لم يستخدم العلم حتى اليوم إلا فى استعباد الناس . ففى زمن الحرب يستخدم العلم فى تسميمنا وفى تشويهنا ، وفى زمن السلم يجعل حياتنا قلقة مرهقة . كنا ننتظر أن يستعين الناس بالعلوم للانصراف إلى الأعمال العقلية ، فينالوا بذلك أكبر قسط من الحرية ..إلخ إلخ
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 08-24-2021 في 09:45 AM.