قال الأفعوان ..رؤية الواقع عبر فنتازيا تصنعها حيوانات الغابة
نزار عبدالغفار السامرائي
ليس جديدا ان يقوم روائي باستخدام الحيوانات بدلا عن الإنسان في موضوعات روايته ، فمنذ ان ترجم ابن المقفع كتاب الحكيم بيدبا (كليلة
ودمنة) حتى رواية مزرعة الحيوانات لارويل والحيوان مادة للقص في كثير من الحكايات الشعبية والروايات . لكن ما الجديد الذي جاء به سعد سعيد في رواية (وقال الأفعوان) ؟ ..
انه تقديم نظرة حول تاريخ الإنسان منذ ان تعلم كيف ينشئ الدول والممالك ويحلم بالاستحواذ والسيطرة على الغير ، ولكن على لسان الأفعوان وليس الإنسان.
لقد نظر الراوي الى تاريخ الكرة الأرضية كغابة تتصارع فيها الحيوانات التي تطورت قدراتها وأفكارها تدريجيا لكن بقي حب الاستحواذ والسيطرة مهيمن على كل تاريخها الذي جعله الكاتب تاريخ غابة يتصارع فيها الأقوياء ويحوكون المكائد لغيرهم كي يظفروا في الآخر بنصر مضرج بالدم لا يدومون طويلا لان هناك دوما من يتربص ويستعد للانقضاض في أول بادرة ضعف .
مكائد ،دسائس ، صراع ،وحروب ..هذا هو تاريخ البشرية كما يراه الراوي (الأفعوان) الذي أعلن سأمه من كل هذا وقرر الانتحار كي يستطيع التمتع بالراحة..
كل هذا يدور عبر حوار طويل بين حيوان الخلد والأفعوان الضخم ..وربما كان اختيار الكاتب للخلد متميزا حقا..فلم اقرأ من استخدم هذا الحيوان الذي يعيش تحت الأرض ولا يتمتع بحاسة النظر ،مثلما استخدمه الروائي هنا بدلالة تشير الى أولئك المساكين الذين يتمتعون بحياتهم كأكل وشرب وجنس لاهين غير عالمين بما يجري حولهم من مكائد وسياسات وصراعات تدورها دوما الغربان التي تحرك الرؤساء والأمم في الخفاء لتحقق مآربها..
فيقول الخلد يصف مجتمعه"نحن لا نرى لاننا نعيش في جحور،وحياتنا عبارة عن انفاق لا نهاية لها"...ص7
ولا أريد هنا إيجاد تفسير للأحداث التي يرسمها الكاتب عبر صفحات الرواية ،فهي تشي بنفسها عن أحداثها بالمقارنة مع تاريخ العالم القديم والجديد ، وإذا كان سعيد قد حاول سبر المستقبل في روايته الأولى ( الدومينو) فانه هنا يحاول سبر الماضي بسرد مكثف وسريع للصراع الذي يجري بين مختلف كائنات الغابة /الأرض .
ومما يحسب للكاتب هنا هو محاولة استخدام لغة تحمل مفرداتها الخاصة والتي تتلاءم مع أحداث الرواية وحيوانية أبطالها ، فكان ذكيا بالإشارة الى (الديك تاتورية) التي لمست وترا حساسا لدى الديك المغرور وقرر إنشائها في وسط الغابة على حساب بقية الحيوانات ، و(الثور تارية) لمملكة الثور وغيرها من المصطلحات التي تتناسب مع المادة التي يحاول الكاتب ان يطرحها هنا.
وتدور أحداث الرواية كلها عبر راويين ، الأول وهو مادة الرواية الذي يحدث القارئ بشكل مباشر وهو الخلد ، الذي تبدأ الرواية على لسانه وتنتهي كذلك ، والراوي الثاني الذي يمكن ان اسميه الراوي الرئيس وهو الافعوان الذي يحكي احداث الرواية الى الخلد بفصول موزعة على أيام عدة كما في الف ليلة وليلة ، غير ان السامع هنا ( الخلد ) هو الذي يخاف القتل ويخشى الراوي (الأفعوان) مع إطلالة كل يوم ليكون حذرا منه.
وإذا كانت أحداث الرواية هي سرد متتابع لأحداث مرت على البسيطة من حروب نابليونية الى الحروب الكونية الأولى والثانية الى محاولات السيطرة على منابع النفط ،بتورية حيوانية بالطبع ، فان نهاية الرواية تأتي لتحمل أهم أفكارها وهو التحول الذي يمر به الضعيف المستهدف (الخلد) الذي يصبح قاتلا ( أفعوانا) يحاول السيطرة ,لكن على أبناء جنسه والضعفاء من أمثاله إذ لا يمكنه مقارعة الكبار.مستمدا ذلك من الحقيقة التي اخبره بها الافعوان من انه كان خلدا ذات يوم ،وهكذا كانت كل الحيوانات المفترسة التي يخشاها كانوا من فصيلة الخلد قبل ان يتمكنوا من الارتقاء بانفسهم ليصبحوا ما اصبحوا عليه من نسور وفيلة وثعابين وغيرها من الوحوش التي يخشاها الغير.
انها رؤية لتلك التحولات التي مرت بها الشعوب والامم فارتقت بعضها لتصبح قوة مهيمنة قادرة على فرض إرادتها على الغير ،واخرى انكفأت على نفسها لتدفن رأسها في الرمال كالنعامات او تسكن الانفاق تحت الارض كالخلدة تخشى ان تتخطفها الكواسر او تبتلعها الافعوانات.
لقد حاول الكاتب ان يقدم رواية تحمل نظرته الى تاريخ العالم واعتقد انه وفق في ذلك الى حد ما ،واستطاع ان يقدم لنا رؤية مغلفة بقص يجمع ما بين الحكايات التي يقصها الراوي الرئيس ،وبين القصة التي يرويها الراوي الآخر الذي هو مادتها الأساسية. ليطرح عبر ذلك رؤية لما يحدث ،او بالاحرى لماذا حدث ماحدث؟..
اسم الرواية : قال الافعوان
الكاتب : سعد سعيد
دار النشر : ايبلا للنشر والتوزيع
سنة النشر: 2009
عدد الصفحات: 281