ليل بارد.. يتربع في صحراء مهيبة، وصمت يغلف نقر بيادات الحراس، أتجاوب معهم بنقر بيادتي، أدور متثاقلا حول مخزن الذخيرة الضخم، وأرسل بصري نحو الأسفل، أمشط المنخفضات والأجراف الواعرة، لن تخيفني الأفعى التي تجلجل في مساري؛ ولكن يخيفني الضابط (حمدي) المؤذي، الذي يباغت الحراس بحضوره الغامض!!.
تشاغلني سيرته اللعينة، وتخايلني أشباحه.. أتخيله يتوارى خلف النتوءات الجبلية. الخلسة والرشاقة والغباء: هم أداة الأذى لديه؛ عرفت ذلك من الأقدمين، وأنا المستجد، أراني أواجه هذه الكارثة البشرية، وأنا في أشد الوهن، حرارة جسدي ازدادت أكثر وأكثر، ولم تعد قدماي المحشورتان في الحذاء الطويل – منذ الصباح – قادرتين على حملي، أشعر بهما وكأنهما يحملان جبلا يتخلله حمم فوارة.. أنفاسي المتسارعة تستجيب في تزمجر لحريقي الهائل. آه.. لقد عشقت الجلوس ولو قليلا..
صعدت في عناء فوق مرتفع صخري، أبحث عن قدومه في كل الجهات.. لم يظهر لي سوى أكوام من العنابر المتكشفة قليلا في ضي القمر الخافت، وعربات بالية، أضناها الزمان والحروب؛ فاطمئن قلبي قليلا، فأخذت جانبا بين الصخور، وجلست كالموقد أطبخ الأحجار من حولي.. وسرعان ما تذكرت سيرة محاكمة الجنود، والشاويش أحمد، الرجل الطيب، فنهضت من فوري وعدت إلى الدوران، وتشتيت الأنظار..
تحسست تصريح أجازتي الذي سيبدأ باكرا.. وأستحضرت وجه خطيبتي.. فتخللني حنين جاء مصاحبا لطرب البحر، القابع في الأسفل.
بينما أنا هارب في عالم الوجد؛ إذا بصوت ارتطام شديد من خلفي.. أدرت وجهي وبندقيتي في جنون، وإذا بشخص ملثم قفز من فوق المخزن، سحبت الأجزاء وعقلي يقاوم سبابتي.. ثم استجمعت صوتي في غضب:
– اثبت محلك،
وذراعيك خلفك، ونم سريعا على بطنك يا متسلل
– بصوت مرتجف. أبعد السلاح يا عسكري
– سر الليل يا حيوان؟
– أنا الضابط حمدي يا عسكري..
– سر الليل؟
– (ضفدع في البركة)
– آسف يا فندم. ثم نهض من رقدته
– لماذا أنت واقف في الخدمة يا عسكري؟
– وقفت ثوان فقط يا فندم
– أتريد ضربي بالرصاص يا عسكري؟
– حضرتك سلكت مسلك الأعداء في التخفي والتربص..
– وماذا تقول في حال قدوم العدو تجاهك يا عسكري؟
– حرس سلاح يا فندم
– بصوت قوي يا عسكري
– حرس سلااااااح
– أقوى يا عسكري
– حرس سلااااااااااااح
– أقوى يا عسكري يا خفتان
– حرس سلااااااااااااااااااااااااح
وإذا بصوت الحراس يتجاوب وينتشر.. حرس سلاااااااااااااااااااااااااح.
___________
عبدالله عيسى
تعريف:
حرس سلاح: نداء عسكري قوي يطلقه فرد الخدمة (الحرس) في حال اقتحام العدو للمعسكر، وعلى الأفراد العسكريين التجاوب مع هذا النداء بمثله لغرض انتشاره؛ كي يتم الاستعداد الكامل للهجوم والسيطرة.