أريد أن ألفت نظر أ. أحمد خيري العمري إلى أنّ كلّ شيء ممكن ما دمنا «نتخيّل».
المخيّلة البشريّة فعلًا كينونة قادرة على إنتاج التصورات، ببُجرها وعجرها، لكنّها في النهاية تبقى مخيلة، وتبقى الحرب حربًا، والنصر لا يصير هزيمة أو العكس ما دمنا نتكلّم في الحرب، أما تخيّلات الأستاذ العمريّ فهي تخيلات ببساطة.
لن أناقش العمري في وقائع تاريخيّة (كغزوة أحد)، لأنّ هذا للتاريخ، وقع وحصل، لا يمكن للأهواء أن تتدخل، ببساطة لأنّ التاريخ قال كلمته في ذلك الحدث. لذلك أصلًا توصيف ما يحدث وإسقاطه بأثر رجعيّ على غزوة أحد هو أيديولوجيا سهلة، وامتهان للخيال، أكثر من كونه إدراكًا لطبيعة السياق الحربيّ الحاليّ الناجم عن نشوء هذه المستعمرة الكولونياليّة الـ ـصـهـ ـيونيّة. هذا تحريف من قبل العمري للتاريخ وللواقع، معًا.
أودّ أيضًا أن يلتفت العمري إلى أنّ كفّار قريش كانوا أكثر أخلاقيّة واحترامًا للمروءات العربيّة من هذا الجيش العبريّ الذي لا يراك أصلًا، وأثبت بكل سبيل ممكنة، أنه لن يمضي في حل سياسيّ
(وما «الطوفان» سوى فعلٌ يائس من أفق الحلول الدبلوماسيّة منذ ٤٨)، ولن يقبل بك حتى راضيًا: وما نموذج الضفة وعرب الـ٤٨ عنّا ببعيد.
فتخيّل أنّ النضال ضد الجيش العبري ربما يكون أشد ضراوة من نضال المسلمين مع كفار آنذاك.
هذه واحدة، أو اثنتان.
أمرٌ آخر، لم يقل أحد من المتحمّسين حتى بأنّ هذا نصر. النصر ليس من فعل واحد تاريخيًا.
إنّه تراكميّ. هذا الجدار الحديديّ لن تكفيه صعقة طوفانيّة واحدة، بل بتراكم الصفعات يمكنك أن تجرّ هذا الخصم الذي تؤازره القوى العالميّة بالمال والسلاح إلى حل، حل يمكن من خلال فتح آفاق جديدة -وفقًا لسياقها- تناضله من خلالها أيضًا.
التاريخ لا يرحم. هذا درس لن يفهمه العمري والمؤدلجون عمومًا الذين ينتصرون لمنطق أصحاب القوى، والذين سخروا من كلّ الاغتيالات باعتبار المنطق المتقهقر والذي هو موقف جبان أيضًا «ألم أقل لكم؟».
وعليه، هذه المحاكمات باطلة. الحاضر له ثقله، الحرب لها منطقها، التدافع لا يكون لأنك تعلم أنّك ستربح، بل لأنّه ببساطة «يراكم» في مسيرة كبرى من دكّ هذا الحصار الذي تفرضه المستعمرة العبريّة على الزمان والمكان، والهواء والماء والبشر.
إن منطق الخسارة والربح هو منطق الجبناء، وهو أيضًا ليس منطق التاريخ. كان على المسلمين أن يهزموا في أحد، ليراكموا صيرورة من النصر أو الانتصارات القادمة. (*)