أمُّ المَسَاجدِ إسمُها
و على الفُراتِ تمدَّدَتْ.
تشتاقُني، أشتاقُها
و تحُنُّ لي، و تُحبُّني، و أُحِبُّها.
ليستْ بمِثلِ دلالِها و بحُسْنِها باقي المدائنِ و القرى،
فمدينتي :
ممشوقةٌ، ريمُ الفلاةِ إذا مشَتْ،
مِسْكٌ يُعَطِّرُ جِيْدَها.
و ثِيابُها من عَسْجدٍ،
نُوّارةٌ، و الأُقحوانُ يبيتُ فوقَ خُدودِها
و الياسمينُ على اللَّمَى،
و الجَفْنُ كحَّلهُ السَّنا،
قرَوِيَّةٌٌ بزُواقِها تتغنَّجُ الحَسناءُ و الأقمارُ تخطُبُ وُدَّها.
و الشمسُ قد تَرَكتْ لها سبعينَ ألف ضفيرةٍ مِنْ نورِها
فعلى المَدى نشَرَتْ سَناها ؛ فانتشَتْ للقائِها
كلُّ الصقورِ و حلَّقتْ بسَمائِها،
و توضَّأت بفُراتِها و تغرْغرَتْ،
و البدرُ خجلانًا يُحَيِّيْها مَسَاءً إنْ بَدَتْ.
فمدينتي : فَلُّوجتي، مَنْ مِثلُها ؟!
نُورُ الصباحِ وِشاحُها.
مِنْ كابرٍ عَن كابرٍ كانتْ لها وقفاتُ عزٍّ، و الثُرَيّا لم تكن إلاّ لها.
فمدينتي شُمُّ الأنوفِ رجالُها
ما كانَ يومًا أنْ حَنَتْ -إلاّ لربِّي-جِيْدَها.
تاجٌ على رأسِ المكارمِ قد غَدَتْ.
و مدينتي :
جاءتْ لها الغِربانُ ذاتَ كريهةٍ
يا ويلهُم ! لم يعرفوا مَنْ جَدُّها
بالقاصفاتِ كم استباحوا حُسْنَها
قد أحرقوا أشجارَها
فنَمَتْ على أطلالِ نخلةِ جَدَّتي سبعونَ ألف فَسِيلةٍ،
مِنْ كلِّ غصنٍ ألفُ شاهينٍ نما،
و البرقُ جاءَ، و رَعْدُها عَنْ أرضِ أمِّي ذائدٌ و مدافِعٌ.
و الحورُ مِنها قد دَنَتْ.
و مدينتي :
دكُّوا مَآذِنَها ؛ فقامَ بِلالُ مِنْ بينَ الرُكامِ مُؤَذِّنًا و يَئِمُّها
صاحَ المنادي : " اللهُ أكبرُ "
فانتخى سَبعونَ ألف مقاتلٍ خرَجوا لهم مِنْ بَطنِها
خاضوا الوغى، صوتُ الرَّصاصِ مُلعْلِعٌ.
ظلَّتْ جدائلُ عَمَّتي، و الوردُ فيها نائمٌ ؛
ما مَسَّها عِلجٌ حقيرٌ خانعٌ
و معَ الطيورِ تواعدَتْ.
بمدينتي:
صاحَ الهُمامُ مُزَمجِرًا لمَّا المنايا دَندََنَتْ :
يا أرضُ كوني مَرقدي أو فَرقدي.
و على بطولاتِ الغيارى يا جزيرةُ فاشهَدي.*
و مدينتي :
من ليلِها انبلجَ الصَباحُ مُبَشِّرًا،
و لبطنِها عادَ الرجالُ مُخَضَّبينَ بِطِيْنِها،
و مُعَطَّرينَ بِشِيْحِها
زفَّتْ بِشارةَ نصْرِِها أنثى القطاةِ و ما بكتْ.
و مدينتي :
صَلَّتْ صلاةَ الشُكرِ فجرًا والدمُوعُ تهلَّلتْ،
و بوجهِها الوضَّاءِ ظلَّ صَباحُها مُسْتَبْشِرًا
للحُوْرِ زفُّوا فارسًا،
فمضى الشهيدُ مُرَدِّدًا :
يا أرضَ أجدادي رويتُكِ مِنْ دَمِي.
فتنعَّمي.
غيداءُ، كوني كَرْمَ داليةٍ ببُستاني،
إليكِ سَنابلُ الروحِ استبيحيها
كُلي ثَمَري و خلِّيني حبيبًا عاشقًا دَنِفًا،
و مُدّيني إلى عَينيكِ –آسِرَتي- أُقَبِّلُها
و في عينيكِ خلِّيني أنا كُحْلاً
و كوني في غدي وطنًا ينزُّ غضارةً
و تبسَّمي، يا بَلسَمِي
إنِّي فَدَيتُكِ فاسلمي.
،،،
و مضى الشهيدُ إلى العُلا.
بُشراكِ وَضْحَةُ زغردي.*
لن تندمي.
،،،
فلوجتي،
يا معقلَ الأبطالِ، يا قطرَ الندى
يا موطنَ الإيمانِ، يا نورَ الهُدى
كوني بحلمي لحنَ نايٍ لا يُغادرُني،
و صيري مِعزَفي، بينَ البيوتِ ترَدَّدي.
ظلِّي بشرياني قوافلَ من صَباحاتٍ،
و شمسًا لا تغيبُ، على المُروجِ ترَدَّدي.
شُعِّي، أنيري كلَّ قاصِيَةٍ بوجداني و لا تترَدَّدي.
قُصِّي لأطفالِ الحِجارةِ قِصَّتي،
و على شِفاهِ العاشقينَ ترَدَّدي.
فلوجتي،
فوقَ العُروشِ قد استويْتِ مَليكةً ؛
فعَلى الملوكِ تبَغْدَدي.
،
،
،
*الجزيرة : قناة الجزيرة ؛ نقلت جزءًا من بطولات رجال الفلوجة
*وضحة: أخت الرجال في الفلوجة و نخوتهم في حروبهم.
آخر تعديل وطن النمراوي يوم 10-28-2010 في 10:41 PM.