المرأة والفروسية
كيف نشأ جو الفروسية ؟ كانت المرأة في حاجة الى من يحميها ؛ وأنها تفضل القوي على الضعيف من الرجال ؛ وتسعى دومآ الى من يقيها أخطار العيش ويؤمن لها الرفاهية والطمأنينة وتشعر بالحاجة الى بذل نفسها في العطاء والتضحية لقاء معانٍ .. تشخصها الرجولة ؛ ونادرآ ما تأبه للضعاف المتهافتين من ذوي الهمم الخائرة ؛ والافئدة الواهية ؛ والأبدان العليلة ؛ الى كثرة المنازعات والحروب الى أضطراب الحياة الاقتصادية .. تشير في نفسها تلك الميول وتحملها على التعلق بمن تهيأت لهم أسباب حمايتها ؛ ووسائل رعايتها .. والدفاع عنها بطبيعة الحال ... هم الفرسان ؛ والشجاع البطل منهم هو الذي ينال أكبر قسط من الحظوة لديها ؛بل أن قيمته تقاس بمقدارما يظهر من شجاعة ويحقق أنتصارات وكان واحدهم يبدي من ضروب البأس وأفانيين المهارة ؛ أذا وقعت عليه عين امرأة ما قل أن يبديه أذ لم تشاهدوه ؛ أو لم يكن طيفها قائمآ في ذهنه أو مالئآ خياله ؛ وكان من النساء محرضات على القتال يوقظن الحمية ويبعثن على الشجاعة ؛ ويثن الحماسة ولكن في أغلب الاحيان يتبرعن بهذه المهمة ؛ أو يندفعن اليها من تلقاء أنفسهن ؛ حتى أصبح حبهن وقفآ على الرجال الذين يبرعون في فروسيتهم ؛ فقد وقفت امرأة من بني عجل في وقفة (ذي قار) وهي تخاطب الرجال فصاحت؛
أن تهزموا نعانق ونفرش النمارق
أو تهزموا نفارق فراق غير وامق
ويوم حليمة الذي ضرب فيه المثل ( ما يوم حليمة بسر) وضع هذه القضية موضع اليقين ؛ أن الفروسية من أعمال المرأة أذ كان حبها هو ( المكافأة) الكبرى التي ينالها الفارس أو يحلم بنيلها عندما يوفق في المعارك والميادين التي يخوضها ..؛
يوم حليمة
كان للمنذر بن ماء السماء ملك الحيرة ثأر عند الحارث الغساني ؛ فلما تولى الملك سار بجيشه ؛ ولقيه الجيش الغساني في مرج حليمة ودامت الحرب أيامآ من دون أن يتغلب فيها أحد ؛ فدعا الحارث أبنته حليمة ؛ وكانت من أجمل النساء ؛ فقدم لها طيبآ وطلب اليها أن تطيب من مر بها من جنده ؛ ثم نادى في الجيش : ( يا فتيان غسان! من قتل ملك الحيرة زوجتّه أبنتي )
وحين زحف الناس وأقتتلوا ؛ شعر لبيد بن عمرو الغساني على المنذر؛ فضربه ضربة ؛ ثم القاه عن فرسه ؛ وانهزم أصحاب المنذر من كل وجهح ونزل لبيد فأحتز رأسه ؛ ثم ذهب الى الحارث
وهو على قصره ينظر اليهم فألقى الرأس بين يديه فقال له الحارث
شأنك بأبنة عمك فقد زوجتكما
وكانت المرأة تربي أولادها على فضائل الفروسية وعاداتها وهي التي تنشد الفضائل في الرجال وتعمل على تغذيتها في نفوسهم ..
أثر المرأة في خلق جو الفروسية
عندما نطلع على المراثي في تأبين من فقدت ؛ والاشعار التي نظمتها في مختلف المناسبات الحماسية والغزلية يتبين أنها كانت تحب أكثر ما تحب أولئك الرجال الذين يبلون أحسن البلاء في مقارعة الابطال ومكايدة الاعداء ؛ كما كانت تحرض قومها على الأخذ بالثأر ؛ حين تكون موتورة ؛ وتفخر بالاشداء الشجعان من أهلها حين تكون منتصرة وهذه ريطة بنت العباس السُّلمي ترثي أخاها ؛ وقد قتله بنو خثعم ..
وكان ثمال الحي في كل أزمة وعصمتهم والفارس المتغشما
وينهض للعليا أذا الحرب شّمرت فيطفئها قهرآوأن شاءأضرما
أتمنى من كل امرأة عربية تتحلى بصفات المرأة في زمن الجاهلية فهن خير مثال يقتدى به ...؛