رحل الجمال من الغابة باكياً بعدما قطع تجار الأخشاب ما تبقى فيها من أشجار ، وبعد سير طويل وصل الجمال الشاطئ .. وهناك جلس حزيناً يفكر ، وبينما هو كذلك رأته حورية البحر من بعيد .. اقتربت منه وألقت عليه التحية .. ثم سألته : لم أنت حزين أيها الجمال ؟
أجاب الجمال : لأن بعض الناس يؤذونني .. فهم يشوهون صورتي بتدمير الغابات ، وتلويث البحار والأنهار .. حتى الهواء لم يسلم من أذاهم فهم يلوثونه بالدخان السام !
قالت الحورية : أتذكر هؤلاء وتنسى الذين يحبونك ويبذلون قصارى جهدهم للمحافظة عليك ؟
قال الجمال : كيف أنساهم وهم الذين يزيدون هدا العالم جمالاً بجمال قلوبهم العامرة بالخير ، ولكنني أخشى أن يتعبوا يوماً ما فيتخلوا عني وحينئذِ سأصبح فريسة سهلة للقبح وهذا يحزنني كثيراً .
قالت الحورية : هم لن يتخلوا عنك أبداً لأنه بدونك ستموت أرواحهم عطشاً في صحراء القبح القاحلة .. فأنت تسقيهم بعذوبتك ، وتظلهم بظلالك الوارفة ، وتعطر حياتهم بشذاك الفواح .
كان لكلام الحورية أثر طيب في نفس الجمال .. فقد أذهب حزنه ، وأعاد إليه ثقته في الناس الذين يحبهم بأنه كان وسيبقى ذا منزلة كبيرة في نفوسهم وهذا يكفيه .. فلسان حاله يقول :
أهل الخير من ذا يوازيهم
بطيب فعالهم وجميل أمانيهم
سكبت الأزاهير شذاها عليهم
وصافحت قطرات الندى أياديهم
يزرعون الجمال بكل درب
فليس غير الجمال يرضيهم