وعلى الناظر في كتاب الله تعالى الكاشف عن أسراره النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها ككونها مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو في مبادئ الكلام أو في جواب إلى غير ذلك.
ويجب عليه مراعاة أمور:
أحدها: وهو أول واجب عليه
أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل الإعراب؛ فإنه فرع المعنى؛ ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.
وقالوا في توجيه نصب " كلالة " في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً}: إنه يتوقف على المراد بها؛ فإن كان اسما للميت فهو حال و"يورث" خبر "كان " أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة خبر أو للورثة فهو على تقدير مضاف أي ذا كلالة وهو أيضا حال أو خبر كما تقدم أو للقرابة فهو مفعول لأجله.
وقوله: {سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي}: إن كان المراد بالمثاني القرآن فـ "من" للتبعيض، أو الفاتحة فلبيان الجنس. وقوله: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} فإن كان بمعنى الاتقاء فهي مصدر أو بمعنى متقى أي أمرا يجب اتقاؤه فمفعول به، أو جمعا كرماة فحال.
وقوله: {غُثَاءً أَحْوَى} إن أريد به الأسود من الجفاف واليبس فهو صفة لغثاء، أو من شدة الخضرة فحال من المرعى.
قال ابن هشام: وقد زلت أقدام كثير من المعربين راعوا في الإعراب ظاهر اللفظ ولم ينظروا في موجب المعنى من ذلك قوله: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} فإنه يتبادر إلى الذهن عطف "أن نفعل "على "أن نترك "، وذلك باطل لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون، وإنما هو عطف على "ما "فهو معمول للترك والمعنى: أن نترك أن نفعل. وموجب الوهم المذكور أن المعرب يرى أن والفعل مرتين وبينهما حرف العطف.
الثاني: أن يراعي ما تقتضيه الصناعة
فربما راعى المعرب وجها صحيحا ولا ينظر في صحته في الصناعة فيخطئ. من ذلك قول بعضهم: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}: إن ثمودا مفعول مقدم وهذا ممتنع؛ لأن لـ "ما "النافية الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، بل هو معطوف على "عادا "أو على تقدير: "وأهلك ثمودا ".
وقول بعضهم في: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}: إن الظرف متعلق باسم لا وهو باطل؛ لأن اسم "لا "حينئذ مطول فيجب نصبه وتنوينه وإنما هو متعلق بمحذوف.
وقول الحوفي: إن الباء من قوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}- متعلقة بـ "ناظرة "، وهو باطل؛ لأن الاستفهام له الصدر بل هو متعلق بما بعده.
وكذا قول غيره في: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} إنه حال من معمول "ثقفوا "أو "أخذوا "باطل؛ لأن الشرط له الصدر بل هو منصوب على الذم.