ما الوطن ؟ ... ما نعني به ؟ ... و أين موقعه ؟ ... أعلى الأرض أم في القلوب ؟ ... أهو جملة عواطف و انفعالات ؟ أم أرض و تراب و صخور نراها أمامنا ، و ننظمها في قلوبنا نظماً على حالها و نسلكها في أرواحنا ؟
الوطن حين نسميه هو أرض نشأنا عليها ، امتزجت بدمائنا و قلوبنا و عيوننا و كل جوارحنا ، أرض ذات امتدادين ، امتداد مرتسم على الأرض تراه العين ، هو تلك الأماكن ، و امتداد محفور في أعماق الروح ، و إن لم يكونا معاً فليس فليس الوطن وطناً ، بل ذرات تراب منثورة تسفيها الرياح .
أرى الوطن أحياناً حصاناً مجنحاً راقصاً ، يهبط قلعة مجهولة هي قلب الإنسان ، فإما ينشر فرحه و ترانيمه بها ، و إما تبقى قلعة مجهولة خربة خاوية على عروشها ، و ما أظنه يجد موطئاً له كما يجد في قلوب الشهداء ، فأولئك خلق لكمال معرفتهم به توحدوا به ، و غدوا جزءاً منه كما جعلوه جزءاً منهم ، بل باتوا و إياه شيئاً واحداً لا تنفصم عراه و لا تتفرق أجزاؤه .
يبقى الوطن خالداً في القلوب كما هو قائم منذ الأزل ، و يظل مؤمناً بأبنائه ما داموا مؤمنين به ، و أولئك ليسوا بمن يغيبون يوماً عنه ، فما زال على هذه الأرض ما يستحق الحياة ، و لا شيء يستحق الحياة مثل الوطن في عيون أبنائه الأوفياء و المخلصين له ، فهو لهم حياتهم ، و هم له حياته .
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ