قبرُنا فِردوسُنا
بقلم: حسين أحمد سليم
تُبّاً لِقهرٍِ يَتأتّى على حينِ وَمضةٍ مِنَ القدَرِ, وَبُعداً لِغمٍّ يَجتاحُ النّفسَ في غَفلةٍ مِنَ الزّمنِ
ما أقْسى الأيّامَ على حَياتي, وَما أحْمِلُهُ مِنْ تعَبٍ وَكلَلٍ, وَما أحْمِلُ عَلى كَتِفي إلاّ كَفَني
قدْ تَعبْتُ مِنْ عَذاباتِ الأيّامِ لي, وَانْهارت نَفسي وَأحْبِطتْ, وَغدا خائِر القِوى رَميماً بَدَني
عِندَ شاطئ العُمرِ باتَ عُمري يَنتظِرُ, في مَرفأ الارتِحالِ إلى الله, أشْرِعةُ السّفرِ وَالسّفنِ
بِلا أهْلٍ, بِلا أصْدقاءٍ, بِلا أحْبابٍ, بِلا عُشّاقٍ, بِلا بَيتٍ, غَدوتُ مُشرّداً هُنا, وَمُتسَوِّلا بِلا وَطنِ
كَما الفينيقِ, كُلُّ يومٍ, أحْترقُ في جَسدي, فَيغْدو جَسدي بَقايا رَمادٍ, وَالرّوحُ تَهيمُ وَتترُكَني
مِنَ الرّمادِ, كُلَّ يومٍ أنْتفِضُ, أتَقمّصُ الحَياةَ, أنْتعِشُ بالرّوحِ بَعد مَوتي, أعْشَقُ وَالحُبُّ يَتبعُني
كُلُّ العاشِقاتِ انْتهَيْنِ عِندَ رَميمِي, يَبْكينَ مَوتي, يَلْطُمنَ الخَدَّ, والدّموعُ تُهرقُ فَوقَ بَدَني
إلاّ أنتِ حَبيبَتي وَمُعلّمَتي وَمُلهِمَتي, بَقيَ الحُبُّ يؤرّقكِ الليلَ والنّهارَ وَفي مَوتي يُؤرّقَني
صَوتُكِ الحَنونُ لَمْ يَغبْ عَنْ مَسمَعي أبَدأً, وَبَقي بَوحَكِ شَجيّاً كَما هَديلِ حَمامةٍ عَلى الفَنَنِ
خَلعْتِ عَنكِ حِجابكِ البَهيَّ, وَتَعرّيتِ مِنْ وِِشاحَكِ, وَعرّيتِ جَسَدكِ, وَصَنعْتِ مِنْ ثَوبكِ كَفَني
بَكيتُكِ في مَوتي وَأنا عَلى النّعْشِ مُسَجّى, أنامِلكِ مَسَحتْ دُموعَ عَيني, وَلَماكِ تُقبّلُني
أسْقَيْتِني مِنْ دَمعكِ ما أنْعَشَ روحي مُجدّدا, فارتَعَشَ بَدني مُجدّداً بالرّوحِ, وَدَمعكِ أنعَشَني
أسْقَيْتَني بيدِيكِ مِنْ إبْريقِ الحَياةِ, ما لَذّ وَطابَ مِنَ العِشقِ وَالحُبِّ, فَثَمِلْتُ وَالحُبُّ أسْكَرَني
قَطَراتُ دَمعَكِ تَرقرَقتْ تُهرَقُ دافِئةً, تَجري عَلى خَدّيكِ أنْهاراً, تَغسِلُ بكِ شَوقَكِ وَتَغسِلَني
أتَّكئ عَلى كَتِفَكِ العاري, وَأجْلِسُ فَوقَ نَعْشي, أعانِقَكِ عِشقاً وتُعانقينَني وَالمَوتُ يُعانقَني
تَعتَصَرينَ الحَنانَ في قُبلَةِ مِنكِ لِجبَهَتي, وَتَضمّينَني إلى صَدركِ الدافئ, والشّوقُ يَعتَصِرُني
أطَوّقْ خَصَركِ بساعِديَّ وَأضُمّكِ لِصَدري, فأنتَشي بِكِ وَتَنتَشينَ بي,كَما طُيورَ الحُبِّ وَالوَسَنِ
وَأنا مُغرَورِقُ النّظْرةِ في رؤى البُعدِ هياماً, يَحُطُّ مَلاكُ المَوتِ يَنتَزعُ روحي وَبينَ يَديْكِ يَترُكني
تَصرُخينَ صَرخَة كُبرى وَتَسكُتينَ بَعدَها, سَكتَةَ حَشرَجةَِ المَوتِ, قَدْ حَمَلكِ المَوتُ وَحَمَلَني
وَحَطَّ المَوتُ بأرواحَنا في عالَمٍ آخرَ, هُنَاكَ شَتلَةَ حُبِّ وَعِشقٍ شَتَلَكِ بالفَراديسِ وَشَتَلَني
وَأبى جَسَدانا دَفْنا إلاّ بقَبرٍ وَاحدٍ, مِنهُ انبَثَقَت شَجَرَتا أرزٍ مُتعانقَتانِ, رَمزَ الحُبِّ في وَطَني
وَغَدا قَبرُنا في بقاعِ لُبنانَ كَعْبَةَ الحُبِّ وَالعِشقِ, وَمَرقَدُنا غَدا مَزاراً لِلعُشّاقِ, في هَذا الزّمَنِ