مقاربة تحليلية للقصيدة المعنونة ب:"عندما مات الشاعر بين يديه"لصاحبها الشاعر العراقي :"اسماعيل حقي "

مقاربة تحليلية للقصيدة المعنونة ب:"عندما مات الشاعر بين يديه"لصاحبها الشاعر العراقي :"اسماعيل حقي "من انجاز:"الأستادة عزيزة
من Aziza Ait Said‏ في 03 يونيو، 2011‏، الساعة 09:43 صباحاً‏‏

نشرت الأستاذة المغربية عزيزة أيت سعيد على حائطي في الفيس بوك هذه الدّراسة

السلام عليكم ,انها صدفة جميلة بالنسبة لي أن تتاح لي فرصة قراءة هده القصيددة الشعرية ,ورب صدفة خير من ألف ميعاد....ولعل أول ما استرعى انتباهي ,وأثار دهشتي قبل السفر الى تفاصيل القصيدة ,واستكشافها من الداخل من أجل الوقوف على معانيها ,وبنائها الشعري العنوان ,باعتباره العتبة الأولى التي تلفت انتباه المتلقي ,وتجعله اما مقبلا على الدخول الى رحابها ,أو مدبرا عنها ,موليا ظهره شطرها ,...وفي هدا الصدد ألاحظ أن العنوان مثير ,ومحفز على القراءة ,وهو عبارة عن جملة تحفل بالغرابة ,مما جعلني أتلهف على قراءة النص مدفوعة بفضول شعري كبير ,وبرغبة جامحة في معرفة الأحداث التي عاشها الشاعر السارد عندما اختطفته يد المنون ,ولوتخيلا ...فوجدت الأبواب مفتوحة على مصراعيها ,والقصيدة مرحبة ...,ووجدتني أمام صرح شعري توسل فيه الشاعر بضميرين هما : المفرد المتكلم الدي هيمن على النص ,مما أضفى عليه طابع الواقعية ,وقوة الاقناع ,حيث ان الشاعر وهو يتحدث عن داته انما يتحدث عني وعن الاخرعامة,لأن تجربة الموت تجربة انسانية ,ومصير حتمي للجميع كلنا سنشرب من كأسها لا محالة...هدا من جهة ,ومن جهة أخرى ضمير الغائب مما يدل على اشراك الشاعر للاخر في معاناته الوجودية .وقد تلفت الشاعر في مستهل النص ولم يجد نفسه بمقعده كهعده بها ,وتحت وقع الصدمة بحث عن وجهه لكنه وياللمأساة وجده بلا وجه ,أي فاقدا للاحساس به ...أماقلبه فكان فوق يده عوض أن تكون يده عليه ,اشارة الى موته وتوقفه عن الخفقان ,بل الأدهى والأمر أن ظله رحل عنه ,ولم يعد له وجود مما يدل على الاحساس بالعدم .وهنا تدكرت نصا روائيا لأحد الكتاب عنونه ب:الرجل الدي فقد ظله ,وفقد الظل دليل على الفناء التام...واللاوجود ,وربما يرمز الى التيه الدي تعاني منه نفس الشاعر الحائرة في خضم حياة صاخبة تموج بالكثير من الأحداث ,..وهكدا يمضي على طول النص في مناجاة الدات القلقة المسكونة بهاجس الموت ,وتمنى لو أن عمره كان على درب نجمة ,حتى يصل يومه بأمسه بغده . حاضره بماضيه بمستقبله ...وتعمق الاحساس بالوحشة والغربة لدى الشاعر لما عاد الاهل جميعهم الى منازلهم بعد أن شيعوه الى مثواه الأخير ,وتركوه وحيدا يواجه ضيق القبر ,دلك السور من حجار الدي لا باب فيه لكي يدق ولا نوافد في الجدار..فلم يملك الا أن يكور جسمه في مدار مضيق ,ورأسه بحجره في بياض ممدد أي الفراغ ...وبينما هو في بحر لجي من المعاناة التي ليس لها نظير ,في دنيا الناس ,فجأة ودون سابق ميعاد ,جاءته فتاة يسحل الظل خطوها وأمرته بالاستيقاظ من موته ... وبعد أن لف صمت طويل المكان انتشلته من الموت ,فنام على حجرها ونامت على حجره ....وبينما كان الشاعر يغنيها موته غنت هي لمولده ... وهكدا سافرت عبر القصيدة مستقلة مركبة المعاني الشعرية النابعة من اعماق دات الشاعر التي قامت هي الأخرى برحلة شعرية الى العالم الاخر ,وعشت للحظات أحاسيسه ومشاعره هناك بخوف ممزوج بترقب لما ستسفر عنه هده الرحلة غير العادية... وخلاصة القول ,ان النص يحمل بين طياته -في نظري-أبعادا رمزية وجودية يلفها قلق داتي من المصير المحتوم ...وجعل من ثمة تيمته الرئيسة الموت ...وفي الحقيقة لامس الشاعر كثيرا من الاحساسات الانسانية في تلك اللحظة التي نحاول تناسيها بالاستغراق في نشاطاتنا اليومية ,لان التفكير فيها أمر مقلق ومربك ...وبين البداية والنهاية هناك أحداث محزنة شتى ,وقد وظف الشاعر في بناء قصيدته الأفعال المصرفة في الزمان الماضي بكثرة (حوم -أمسكت -نامت.....)مما ينسجم مع العنوان الدي يدل على أحداث مضت ,اي أن هده الاحساسات وهدا القلق الوجودي ما لبث أن تلاشى ..لم يحتل حيزا كبيرا في أعماق الشاعر ودواخله ....كما وظف أيضا الوصف الدقيق مما يدل على قدرته على التقاط التفاصيل المحيرة وجعلها قريبة من المتلقي المرسل اليه بفتح السين ,وكاني به مصور محترف .وألاحظ تكراره لكلمة الظل في سياقين مختلفين الاول يتعلق به والثاني بالفتاة التي غنت لمولده ... ووظيفة التكرار هنا التأكيد ....هدا فضلا عن استعماله للطباق بين مولد وموت بكل ما يحمله بين ثناياه من تناقض وتعارض ...أما الايقاع الخارجي للنص فقد انسجم مع الايقاع الداخلي الحزين انسجاما عميقا مما أضفى عليه مسحة التلاؤم ,ونأى به عن التنافر واللاانسجام ,كما توسل الشاعر بألفاظ تنتمي الى ثلاثة حقول معجمية هي :حقل الدات ,وحقل الموت ,وحقل الطبيعة ,ووفق في المزج بينها ...مما جعلها تخدم التيمة الرئيسة في النص ....كما لم ينس استعمال المجاز اللغوي مع ما يسبغه على النص من بعد جمالي ...وفي نهاية المطاف ,شعرت وأنا أحاول مقاربة هده القصيدة الشعرية كأني أغوص في أعماق البحر اد كلما استخرجت بعض الدرر منها أجد أخرى ...ولعل اللافت للانتباه هناأنها مفتوحة على قراءات وتحليلات متعددة ومتنوعة ,مما يعكس ثراءها وخصوبتها اللغوية ,ولا يسعني الا أن أنوه بالشاعر المبدع صاحبه الدي يمتلك ناصية اللغة العربية الفاتنة ,ويتحكم في زما م معانيها ......وقد دكرني بشعراء العربية المتميزين وأعادت الي قصيدته هده الثقة في قدرة بعض الشعراء المعاصرين على الاجادة الشعرية وأنستني ولو لحين ماقرأته من كلام يشبه الشعر وماهو بشعر تعج به صفحات الشبكة العنكبوتية ,.......وتحياتي النابعة من الاعماق اليك أيها المبدع وكل قصيدة وأنت بألف خير وشعر ....