لا شك كل سنة في شهر محرم الحرام نعيش أجواء قضية الحسين ونتفاعل معها كونها تخلقت من قضية الإسلام ، كدين أعظم ما فيه هو صدق الإيمان والنوايا ..
وأنا أحاول الطواف بروضة جهادية الحسين بات لابد لي أن أتعطر بقول الرحمن حينما قال : (أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا . فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) .
وهذا القول المقدس يصدق تماما على يقينية الحسين بالإيمان والاستغراق فيه ، فهو تربى بروضة النبي وشب ونهض على الحب والإباء بين عائلة نبوية شريفة ، قلوبهم شفافة وعقولهم موزونة يكرهون الظلم ويعادون شذاذه ، وهم مشاريع دائمة لرفد الإنسانية بأعلى أخلاقية سامية مقتبسة من روضة الإيمان ، يقينهم يقين ثابت وان وليهم الله (إن الله ولي الذين آمنوا) . من هذا المنطلق نستثمر موقف الحسين الثابت في أدراك كنه الحقيقة.
الحسين كان يدرك تقلبات الإنسان وخاصة أهل الكوفة ، ولكن واقع الحال ورسائل القوم تصرخ من ظلم يزيد وتعديه حدود المؤمنين وهي حدود الله فيزيد عاث فسادا وخرج من دائرة الدين الحنيف ، فأين يذهب سواد الناس ـــ بكل ثقة وتأكيد يذهبون إلى أهل الشأن ، فهل هناك شأن للحسين غير الإسلام ، كرسالة متكاملة لخلق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، وكان رفض الحسين البيعة ليزيد هي نصرة الإنسان المظلوم وانتصارا لمبادئ الحق والعدالة ..
فكان استشهاد الحسين في الطف هو المشروع الإسلامي الذي تكاملت حلقاته بعد الاستشهاد وأستثمره الآخرون في أمثلتهم التاريخية الخالدة حتى تأسست حلقات استثمار شهادته في ترسيخ قيم الحق والإباء والشجاعة ونصرة المظلوم ، بدليل حينما قربت نهايته أخذ يردد : ( إذا كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) ؛ وهكذا وهو في أحلك الظروف العصيبة يتجدد يقينه ، بأنه على حق وبرهان من ربه وبأن قتله استثمار يدر أرباحا في القيم الأخلاقية للإسلام ويعم المعمورة جمعاء ولا شك ضرب مثلا لن تنساه الإنسانية في مقارعة أعتى طواغيت الأرض وشعاره الخالد أي شعار الحسين ( بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة ) حتى خلد في أذهان البشرية وليس ذهن المسلمين حسب ، فهذا المناضل غاندي وروجيه غارودي الفرنسي يتخذان من الحسين طريقا لمناهضة الظلم وهذا انطوان بارا صاحب كتاب ( الحسين في الفكر المسيحي ) وهذا جورج جرداغ المسيحيّ يتعالى ويسمو في موسوعته الشهيرة ( علي صوت العدالة الإنسانية). هذا هو استثمار الإنسانية لثورة الحسين ، أما المسلمون فلا زالوا يستثمرون الأرباح المجناة منها للخروج من الأيمان المبرقع بالنفاق إلى الأيمان الثابت ثبوت قلب الحسين وهو يقطر عطفا على أعدائه ويدعو لهم بالهداية فما أحوجنا أن يكون كل واحد منا روضة حسينية ودرس يستعطفنا الآخر كي يستفيد منه ويتعالى ويسمو .
فأيمان الحسين الثابت بالله وبالرسول عبر عنه بالثبات والوقوف في ساحة الشهادة بعد أن افحم وافرغ أعدائه بكل الوسائل الحكيمة في الكف عن الحرب ،حيث قال الحسين العظيم مخاطبا القوم : ( أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا )1 وأيضا ( ألا ترى لهذا الدين لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه وأن الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون )2 . ولكن يزيد ركب رأسه في حرب الإمام ..
إذن حينما نربط مقدمة ما قلناه مع هذا الخطاب الواضح الفحوى نجني من ربحية استشهاد الحسين الخالد كما جناه غيرنا في الإستثمار بدليل قول الحسين : ( خرجت لطلب الإصلاح ) ، فالعظماء لا يخرجون من دائرة معارف الإنسانية لأنهم صالحون يطلبون الإصلاح ، فيخلدون .