بسم الله الرحمن الرحيم
العشق بين الجرأة والفضيلة
بقلم : ياسر ميمو
( الجزء الأول )
كنت واثقاُ أني رأيت تلك المرأة من قبل عيناها الشاردتين وجهها المتعب
مشيتها المضطربة وشاحها الأسود وحدها تلك الطفلة الصغيرة و دميتها
الشقراء من أحدثت الفارق في ذلك المشهد العابر الذي تكرر بعد رحلةٍ
من قطار الزمان قد اجتهدت الذاكرة حتى استطاعت الرجوع إلى محطته
السابقة إلى ذلك الخريف الحزين بأوراقه المتساقطة الهرمة إلى ذلك
الصباح البارد بهباته اللاسعة يوم أن كنت جالساً على شرفة منزلي
المطلة على الحديقة العامة أطالع الجريدة واحتسي فنجان قهوتي
كعادتي كل صباح و إذا بي ألمح امرأة في العقد الثالث من عمرها
جميلة الوجه ممشوقة القوام أنيقة المظهر وقد جلست على أحد المقاعد
لبرهة قصيرة ثم أخرجت من حقيبتها ورقة صغيرة وسارعت إلى
مغادرة المكان . في البداية وللوهلة الأولى اعتقدت أنها ورقة مالية
ولقرب منزلي من الحديقة لم أجد مشقة في مغادرة المنزل و دخول
الحديقة من أجل إعادة النقود لها وما أن التقطها حتى تبين لي بأنها
لم تكن ورقة مالية كما ظننت بل رسالة صغيرة مطوية وقد كتب عليها
( أمي الحبيبة والدي الطيب أخوتي صديقاتي سامحونا فإني ذاهبة إلى
السماء بملء إرادتي ) وبسرعة البرق ركضت بالاتجاه الذي ذهبت منه
تلفت من حولي بحثاُ عنها و بشق الأنفس استطعت رؤيتها وهي تشير
بيدها لسيارة أجرة فصرخت بكل ما أوتيت من قوة : أنتظري
التفتت إلي برهبة ثم قمت بصرف سيارة الأجرة بعد أن أعتذرت منه
شاكراً و قلت لها : سيدتي الفاضلة هل تعنين حقاً ما كتبت في هذه
الورقة أرسلت نظرات سريعة مرتبكة بين الورقة ووجهي و انهارت
في .......... البكاء شعرت أني أمام امرأة مسكينة تريد أن تُفهم
الجميع بأن رغبتها بالانتحار ترجع إلى عدم ترحيب الحياة بها فحسب ,
أعطيتها منديلاً صغيراً لتمسح دمعها وطيبت خاطرها بكلمات بسيطة
لست أدري كيف انطلق لساني بها ثم دعوتها إلى دخول الحديقة مرة
أخرى جلسنا على طاولة صغيرة مستديرة و انتظرتها حتى هدأت و
استعادت توازنها هممت بالحديث أولاً لولا أني رأيت في عينيها ضجر
الدنيا من كثرة الأحاديث التي أنصتت لها حيناً واستمعت إليها وهي
شاردةً حيناً آخر قرأت فيهما كل الرجاء أن أمنحها الفرصة ولو لدقائق
قليلة كي تبوح لي ببعض ما حرمت من التعبير عنه طيلة حياتها .
قالت لي بعد أن التمست مني الرغبة بالإنصات طويلاً إلى حديثها :
بداية أخي لست أدري من أنت لكني حقيقة توسمت بك خيراً من
اللحظة التي ناديتني بها بتلك اللهفة الكبيرة سأطرح عليك معضلتي
وأشكو لك سوء حالي وعطش روحي ووهن جسدي على أن تنصت
لكلماتي بعقلك وروحك وإنسانيتك و إياك أن تنصت لي بقلبك فإنك لا
تدري ماذا فعل الفؤاد بي ثم أطلقت عدة تنهيدات وكأن بها روحها
تخرج مع كل تنهيدة كارهة متعبة ممن حولها من بشر ونصف بشر
وإنسانية وشبه إنسانية ثم نجحت العيون في تمردها و0000بكت
استجمعت نفسها مرة أخرى و استطردت قائلة ً : أحببته و والله الذي
بسط الأرض و رفع السماء وأجرى السحاب لكأني لم أعرف مخلوقاً
من مخلوقات الرحمن يُدعى رجل إلا بعد أن التقيته لقد كان رجلاً
شرقياً يعتز كأقرانه بفضائل الرجولة لقد أحسست أني رأيت ضّالتي
المنشودة وأنّ السعادة التي يتحدث عنها الشعراء في قصائدهم والأدباء
في عطر نثرهم و والفلاسفة والحكماء في أوج حكمتهم تكمن في
اجتماع القلب والروح والجسد مع قلب ورح وجسد عاشق آخر في
إحدى المماليك السعيدة التي يسكنها العشاق بأمان غير خائفين من
خفافيش الليل ولا غربان النهار كان لقاءنا الأول في أحد المعاهد
التي تُعنى بصيانة أجهزة الحاسب و لأننا كنا وبحكم طبيعة عملنا
نشترك في ورش جماعية كان احتكاكي به قوياً نتناقش في أمور
تهم الورشة ومع مرور الوقت أصبحنا في أوقات الاستراحة نتحادث
في مواضيع كثيرة ذات صبغة اجتماعية وتقنية ولاحظت أنه يتعمد
الحديث معي والتقرب مني عبر اختراعه للأسئلة والأجوبة وطلبه
المتكرر بأن يشاركني كل الورش وشعرت أن في قلبي شيء من الميل
إليه حديثه نظراته ضحكته جدّه هزله كل شيء فيه كان ساحراً جذاباً
وذات صباح وبدون مقدمات صارحني بحبه الشديد لي وبرغبته بالحياة
معي تحت سقفٍ واحد , بصراحة لم أتفاجىء بحديثه هذا و وأومأتُ له
إيمائة فهم بها قبولي و استجابة قلبي وعقلي لنداء قلبه وعقله و
اتفقنا على أن يبقى الأمر سراً بيننا و أن يكون الاتصال بيننا يقتصر
على الهاتف وكان الأمر كذلك وعشنا لذة الشعور بأننا عشاق حقيقيون
غير معنيين بكل الاعتبارات التي تشوه صورة حبنا الجميلة ورافضين
كل القيود التي من شأنها أن تقف حاجزاً أمام روعة حبنا وراودنا
احساسٌ قوي بأن الحق كل الحق معنا والصواب كل الصواب معنا فما
الحب بجريمة حرمها الإسلام وما العشق من جنود الرذيلة وبقينا
على هذا الحال إلى أن دقت ساعة........ الصفر
يتبع إن شاء الله
هذا وما الفضل إلا من الرحمن