حين كنت أعمل في أحدى الدول العربية في بداية أمتهاني العمل الصحفي ؛ وقتها كنت شابة في ربيع عمري ؛ أحببت هذه المهنة الممتعة بشقائها أضافة الى كوني محررة في أحدى الجرائد الفلسطينية عملت في قسم الأخراج الصحفي لشغفي وحبي للعمل في هذا المجال وبكل ما يحيط به ؛
كنت المنفذة والمرأة الوحيدة في القسم الفني ؛ وقتها كنا نعمل بأدوات يدوية وليس كما الآن ؛ التنضيد والأخراج بالكمبيوتر؛ فكان من طقوسي أن أنتقي ستة وردات حمراء وبيضاء من القرنفل وزهرة اللوتس ؛ وأن لم أجد فأنتقي شرخ من الزنبق فأزين مكتبي ومكتب رئيس التحرير لتضفي لمسة ود وجمال على عملنا ولروحنا وأسمع فيروز كوني أعشق هذا الصوت الملائكي ؛
كان رئيس التحرير شابآ هادئ الطبع مندفعآ للعمل وحبه للمعرفة ؛ مثقفآ حقيقيآ بسلوكه وأفكاره المتفتحة وأحترامه لكل المحررين والفنيين العاملين ؛ ويراعي مشاعر المرأة كثيرآ ؛ ولا يفضل زميلة على أخرى ؛ الا في عملها حيث كان يثني على أجتهادها في الاجتماعات الدورية لهيئة التحرير .. أعجبت بشخصيته وتواضعه وتآزره معنا في كل المواقف داخل العمل وخارجه ؛ فتعلمت منه هاتين الصفتين ؛لأ اعرف في أي منفى الآن .. تذكرته وتخيلته ماثلآ أمامي .. حين أقارنه بأحد الزملاء العراقيين أسميته أستاذي مع أنه كنت قد سبقته بعقدٍ من السنوات ككاتبة وصحفية .. أعطيته فرصة العمل معي في مطبوعة عربية ؛ فأحترامآ له تنازلت عن حقي كسكرتيرة تحرير في المجلة التي كنا نعمل فيها ؛ بعد فترة عرفت أن هذا الزميل دخيل على العمل الصحفي ؛ التي أصبحت مع الآسف مهنة من لا مهنة له ؛ ويدعي أنه يعمل في صحف عراقية وعربية ؛ صّدقناه لأنه يتقن فن التمثيل ويتمسكن حتى تعاطفنا معه ومع ظروفه المسحوقة جميعنا ؛ حقآ يصدِقون أهلنا حين يسألوننا عن صديق أو صديقة هل تعرفوهم نجيب نعم يكررون السؤال عاشرتموهم نقول لا فيكون رد الأهل وبشكلٍ حكيم من خلال تجاربهم بالحياة أذن لا تعرفون عنهم شيئآ ..
وأكتشفت من خلال ملازمتي لهذا الزميل كذبه وأدعائه ؛ وحين أقول مثقف ليس بعدد الجمل الاجاهزة الذي حفظها ويرددها ؛ وليس بعدد الكتب أن لم تترجم بوعي من خلال سلوكياتنا وبالتعامل مع الاخر ..بصدق وليس تجنيآ عليه أنه لا يطالع الصحف اليومية المفترض يطالعها بأعتباره صحفي ليواكب الحدث في العالم كان ينهيني أن مددت يدي على أي صحيفة لشرائها .. دعوني أقص تهمته لي ... في أحدى نقاشاتنا تفاجئت حين قال لي أنت أيتها المرأة المتحررة التي تقرأ عابر سرير لأحلام يقصد الكاتبة الرائعة أحلام مستغانمي ومَنَ منا من لا يقرأ لمستغانمي ؟ ؛ رثيت عليه وأطلقت ضحكتي المجلجلة من كل قلبي لأنه حكم عليّ وعلى الكاتبة من خلال العنوان ؛ نصحته أن يقرأ عابر سرير ليعرف مضمونها الفكري ... هنا توقفت وأستحضرت شخصية رئيس التحرير وزملاء آخرون كنا كعائلة واحدة نتبادل الحوارات الثقافية والكتب مزيدآ من المعرفة ..
الفرق شاسع بين زميلي وبين رئيس التحرير الفلسطيني الذي لا يعرف التبجح ولا أستعراض العضلات ؛ أقول لزميلي القدر فرضك عليّ وعلى بقية زملائي من المثقفين الحقيقيين فأين نحن من أنصاف المثقفين أو مَنَ يدّعون الثقافة وهم بعد السماء عن الأرض ... الله يساعدنا عليك وعلى مثل شاكلتك ؛ هذا الزميل متولع بجمع الهويات هويات الصحف التي يعمل فيها ..فأقول له رحم الله امرءٍ عرف قدر نفسه ..