ثم قلت لها : هدأي من روعك يا أمة الله , امسحي دمعك و اصغي إلي
جيداً , إن الله ما كان ليختار لعباده المؤمنين , إلا ما فيهم سعادتهم
وهنائهم في الدنيا والآخرة و ما أظن بك إلا ظن المؤمنين ببعضهم ,
فلا تبتأسِ ولا تحزني ما دام الله هو من يريد وهو من يختار و لو اجتمع
أصحاب المقام الرفيع , والعالم بأسره على عدم تزويجك من فارسك,
و شاء ربك أن يجمع بينكما لما تمت إلا مشيئته , و ما يسري على
إجماعهم في الرفض , يسري على إجماعهم في القبول لتنفذ أقدار
السماء في أهل الأرض شاؤوا أم أبوا,فلتعد نفسك إلى رشدها , و
ديدنها الأول تائبة إلى ربها , قانعة بقسمتها , وليكن زادها إلى غدٍ
أفضل و أجمل,هو يقينها برحمة خالقها,وتسلحها بمفاتيح الصبر
الجميل , لتتفتح بها كل أبواب السعادة والهناء , و أما فارسك
فليرجع إلى بصيرته و رجولته وليوسع من أفق نظرته الضيقة
للحياة , فالحب على الوجه الذي آمن به , هو بعض ما نعيش لأجله
وليس كل الغاية والقصد,لقد آن له أن يعلم أن الحياة مدرسة كبيرة,
و أن السعيد فيها هو من يحصن نفسه من الزلل,و يوقي قلبه من
الهوى , ويروي روحه من الظمأ ,فليستعفف حتى يغنيه الله من فضله
وليستخر ربه,و يستشر صحبه فإنه ما ضل من استشار واستخار , و
ليكن يومكما هذا يوم فراق لا لقاء بعده إلا بمشيئة السماء , و عسى
أن تكرها شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيرا .ثم قامت ونظرت إليّ بأعينٍ
شاكرةٍ مُمتنة , و عاهدت الله أمامي على أن لا تحادثه , ولا تقابله
حتى يقضي الله بينهما أمراً كان مقضيا,وانصرفت بخطى واثقة,و
عيون حالمة . مرّ ذلك الشريط من الذكريات أمامي بسرعة البرق,
و كأني أشاهد فيلماً وثائقياً يعرض أهم اللقطات والأحداث و كنت
سأهم بالنزول إليها,لسؤالها عما حدث معها,بعد لقاءنا منذ سنين مضت,
لكني استحييت منها واكتفيت بتأملها وطفلتها الصغيرة,و حدثت نفسي,
أوالد تلك الطفلة البريئة الجميلة , هو نفسه فارس أمها أيام الصبا ,
هل كتب الرحمن لهما التلاقي من جديد,أم أن ذلك الحب الشديد قد خط
نهايته رجل ......آخر