«تلك» مبتدأ «الرسل» نعت أو عطف بيان والخبر «فضلنا بعضهم على بعض» بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره «منهم من كلّم الله» كموسى «ورفع بعضهم» أي محمد صلى الله عليه وسلم «درجات» على غيره بعموم الدعوة وختم النبوة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة «وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه» قويناه «بروح القدس» جبريل يسير معه حيث سار «ولو شاء الله» هدى الناس جميعا «ما اقتتل الذين من بعدهم» بعد الرسل أي أممهم «من بعد ما جاءتهم البينات» لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا «ولكن اختلفوا» لمشيئته ذلك «فمنهم من آمن» ثبت على إيمانه «ومنهم من كفر» كالنصارى بعد المسيح «ولو شاء الله ما اقتتلوا» تأكيد «ولكن الله يفعل ما يريد» من توفيق من شاء وخذلان من شاء
يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض كما قال تعالى " وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْفَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا الإسراء(55)" وقال هاهنا " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ " يعني موسى ومحمدا - صلى الله عليهما وسلم - وكذلك آدم كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر - رضي الله عنه - " وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ "
كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء في السموات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل " فإن قيل " فما الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال اليهودي في قسم يقسمه : لا والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي فقال : أي خبيث ؟ وعلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فجاء اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاشتكى على المسلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جُوزِي بصعقة الطور ؟ فلا تفضلوني على الأنبياء " وفي رواية" لا تفضلوا بين الأنبياء
" فالجواب من وجوه "الأول " أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل وفي هذا نظر
" الثاني " أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع
" الثالث " أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر
" الرابع " لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية
" الخامس " ليس مقام التفضيل إليكم وإنما هو إلى الله عز وجل وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به .
وقوله " وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ البقرة(87) " أي الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله إليهم " وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ " يعني أن الله أيده بجبريل عليه السلام ثم قال تعالى " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْشَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا " أي كل ذلك عن قضاء الله وقدره ولهذا قال " وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ البقرة(253) " .
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 09-22-2013 في 01:50 PM.