ويقال هذا المثل عن الأبناء الذين ليس فيهم خير لأهاليهم وقصة هذا الطير ...
هي إن مندو هذا وجد طائرا فقام بأخذه إلى بيته ومعالجته وبعد فترة عاد هذا الطير للطيران وكان كل ماخرج من البيت يعود حاملا الأفاعي و العقارب ويرميها في بيت مندو .
وبذلك أصبح مضربا للمثل لمن ترجو منه الخير فلا يأتيك الا بالشر
يضرب للشخص الذي يعامل الناس حسب قدرهم ، وعلى قدر عقولهم .
أصله:
أن أحد الحلاقين كان يحلق يوما لأحد زبائنه بموس ماضية فزلّت يده فأصاب وجه الزبون بجرح غائر ، بدأ الدم يسيل منه غزيرا فما كان من الحلاق إلاّ أن مال على أذن الزبون وقال له : (( تره أكو بعكالك وسخ )) وتلك كناية عن تعرّض سمعته لكلام الناس ! فثارت ثائرة الرجل وأحمّر وجهه غضبا وقفز من مكانه وصاح : (( اتخسه ! .. انا أخو خيته .. )) . فتوقف نزيف الدم في الحال . فاعتذر الحلاق إليه ، وأخبره بأنه قد قال ما قال حتى يثير غضبه ، ويهز أعصابه ، فينقطع نزيف الدم . فسامحه الرجل وقبل عذره .
وكان للحلاق صبي ذكي مجدّ وكان قد سمع ورأى ما دار بين أستاده الحلاق والزبون . وبينما كان يحلق لأحد الزبائن ذات يوم أصاب الزبون بجرح في وجهه سال منه الدم غزيرا . فمال الصبي على الزبون وهتف في أذنه : (( تره أكو بعكالك وسخ )) فلم يتحرك الزبون ، ولم ينقطع نزف الدم ، فقال الصبي : (( تره سمعة بنتك موزينة بالمحلة )) فلم تؤثر كلمته في الزبون شيئا. فقال : (( الناس دا يحجون على بنتك )) فلم يتحرك الزبون كذلك . وكان الحلاق يسمع ويرى مايجري بن الصبي والزبون ، فأسرع إلى الزبون ورفع كفه وضربه سطرة شديدة على رقبته . فارتاع الزبون لذلك وانتابه الغضب وقام من مقعده ثائرا ، وسأل الحلاق : (( هاي شنو ؟ .. ليش تضربني ؟ )) . وقبل أن يجيبه الحلاق انقطع نزف الدم وتوقف .. فاعتذر الحلاق إلى الزبون ، وأطلعه على حقيقة الأمر ، وأن السطرة ماكانت إلاّ لتوقف النزيف . ثم التفت الحلاق إلى صانعه وقال له : (( شوف ابني .. الناس مو كلهم سوه .. أكو من جلمة ... وأكو من سطرة )) . فتعجّب الصبي من كلام الحلاق ، وسعة اطلاعه ، وشدة ذكائه ..
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للشخص يؤتمن على أمر ، فلا يكون أهلا لتحمّل تلك الأمانة ، أو المحافظة عليها ، خيانة منه ولؤما .
أصله:
أن رجلا من أهل بغداد كان قد سافر إلى إحدى المدن العثمانية إبّان العهد العثماني بصحبة رفيق له . وبينما هما يتنزّهان في بعض شوارع المدينة _ في عصر ذات يوم _ رأى الرجل بقرة كبيرة واقفة في شرفة أحد البيوت والشرفة : هي ماكان يسمى في بغداد القديمة (( الطارمة )) ويسمى اليوم البلكون . وكانت الشرفة صغيرة وضيقة وبابها صغير وضيق ، فتعجّب الرجل من ذلك غاية العجب ، ولفت نظر رفيقه إلى ذلك ، وراح يتسائل وإياه عن كيفية صعود البقرة الكبيرة إلى تلك الشرفة الصغيرة الضيقة وعن كيفية نزولها منها والشرفة عالية عن الأرض ، وبابها صغير ضيق ! . ثم قال الرجل لرفيقه : (( إن هذا الأمر لايكاد يصدّقه العقل .. فلو أن امرءا حدّث به بعض معارفه ، هل كان يصدّق في قوله ؟ . فبالله عليك ياصاحبي إنتبه لما ترى جيدا واحفظ ذلك في هذا الأمر ، إذا ما عدنا إلى بغداد .. لأني أخشى الاّ يصدّقني أحد إذا ما قصصت عليه قصتها )) . فوعده رفيقه خيرا .
ثم أن الرفيقين عادا إلى بغداد ، وقد نسي الرجل أمر البقرة . وفي ذات يوم دخل الرجل إلى المسجد ليصلي الظهر ، فرأى صاحبه واقفا في ناحية من المسجد ، وقد التفّ حوله لفيف من الناس ، وهو يقصّ عليهم نبأ البقرة ، وكان القوم يستمعون إليه ويهزّون رؤوسهم غير مصدّقين لما يقول ! . وما كاد ذلك الرفيق يرى الرجل داخلا ، حتى صاح به قائلا : (( لقد جئت في الوقت المناسب ياصاحبي .. أن هؤلاء القوم يكذّبونني فيما أقصّ عليهم من نبأ البقرة . فهلاّ شهدت لي على صحة ما أقول ؟ )) . فقال الرجل : (( أنا لا أتذكّر من هذا الأمر شيئا .. وما أظن كلامك إلاّ إفتراءا وبهتانا ! . )) . فقال صاحبه : (( ماذا تقول ياصحبي ؟ .. هل نسيت ذلك بهذه السرعة ؟ .. )) فقال الرجل : (( لا .. لم أنس ذلك .. ولكنك أنت الذي نسيت ما طلبته منك .. لأني (( ردتك شاهد .. طلعت لي قصه خون . )) . ثم ذاع ذلك الامر بين الناس وعجبوا من قلة عقل ذلك الصديق ، وعدم إلتزامه بما وعد به رفيقه الأمر بين الناس ذاكرتك .. لعلّني أحتاج إلى شهادتك
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للكيّس الفطن ، والذكي الماهر ، يستطيع بفطنته ومهارته أن يفلت من شر يحيق به أو ضر يوشك أن يصيبه .
أصله:
أن أحد اللصوص سطا على بيت نياّر ( وهو الشخص الذي يعمل بالنير والنير هو تهيئة خيوط النسيج وإعدادها ولفها على النبوبة ) . فشعر به صاحب البيت فانتضى قامة ماضية ثم هجم عليه ، فلما رآه اللص علم أنه مأخوذ ، فقال له : (( رويدك يارجل .. فأنا لم آت ِ لأسرقك كما تظن وإنما جئت إليك مرشدا وناصحا )) . فقال له صاحب البيت : (( وكيف تريد أن ترشدني وتنصحني ؟ )) فقال اللص : (( أنت تغزل الخيوط من القطن فتكون ضعيفة وركيكة لذلك يكون النسيج ضعيفا ركيكا كذلك .. فلماذا لا تتعلم كيف تشمّع الخخيوط فتصبح متينة قوية ؟ )) . فخدع الرجل بكلام اللص وسأله : (( وكيف أشمّع الخيوط ؟ )) فقال اللص : (( سأعلمك ذلك في التو واللحظة )) . ثم أخرج من جيبه قطعة من الشمع وأخذ خيطا طويلا وأعطى طرفه للرجل وقال له : (( إمسك طرف الخيط جيدا ولا تتحرك من مكانك .. وانظر كيف سأشمّع الخيط )) . ثم بدأ اللص يمرر الشمع على الخيط ويبتعد عن مكان الرجل شيئا فشيئا حتى أصبح خارج المنزل ، فربط الطرف الثاني من الخيط في باب البيت المجاور ، وفر هاربا . وانتظر الرجل عودة اللص حتى نفد صبره ، ولما طال عليه الإنتظار خرج يبحث عنه ، فلم يعثر له على أثر . فعاد إلى بيته خائبا ، فسألته زوجته أثر . فعاد إلى بيته خائبا ، فسألته زوجته : (( مالك ؟ .. وأين كنت ؟ )) فقال : (( كنت انتظر هذا الرجل .. فقد ذهب ليشمع الخيط ، ولم يعد حتى الآن ! )) . فضحكت المرأة من قوله وقالت له : (( ياخايب .. هذا ( شمّع الخيط ) .. ووصل بيتهم )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فضحكوا من قول الرجل وسخروا من غفلته وغبائه ، وعجبوا من فطنة اللص وحسن تخلّصه .
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للشخص الذي يبخس الناس حقهم ويجعل من باطله حقا فرضه عليهم ، لؤما منه وبهتانا .
أصله:
أن رجلا كان قد أقرض جحا بعض المال لأجل معين . فلما حان موعد سداد الدّين لم يكن مع جحا من المال ما يسدّد به دينه . فاعتذر للرجل ، وعيّن له موعدا آخر للسداد . فلما عاد الرجل في الموعد المعيّن لم يستطع جحا أن يفي له بما وعده به ، لضيق ذات يده ، فراح يماطل الرجل ويعده مواعيد أخرى . واستمر الحال هكذا زمنا طويلا حتى كلّ الرجل وملّ .
وفي ذات يوم جاء الرجل إلى بيت جحا يطالبه بسداد الدّين ، فخرج إليه ولده ، وقال له : (( والدي يقرؤك السلام ويقول لك : أن بجوار بيتنا أكواما كثيرة من الشوك ، وأن رعاة الغنم كثيرا ما يمرون بأغنامهم من ههنا ، فتحتكّ فراء تلك الأغنام بتلك الأشواك ، فينزع منها بعض الصوف فيعلق بالشوك . وقد أمرني والدي أن أجمع ذلك الصوف العالق بالشوك كل يوم وأحتفظ به حتى يصبح كمية كبيرة فنعزله وننظّفه ونمشّطه ونغزله ونلفّه على الدولاب ، ثم نحيكه عباءة كبيرة ، متقنة الصنع ، ناعمة الملمس ، فنبيعها بثمن عال ، ونفي لك حقك من ذلك الثمن )) . ولم يكد الرجل يسمع ذلك الكلام حتى راح يضحك عاليا وهو يفحص الأرض برجليه ، حتى استلقى على ظهره من شدة الضحك .
لما عاد جحا إلى بيته ، أخبره ولده بقدوم الرجل الدائن ، وماذا قال له ، وكيف شرح له الأمر شرحا كافيا حتى فحص الأرض بقدميه . فقال جحا : معلوم يضحك ... إذا (( فلوسه صارت بجيبه ... ليش مايضحك ؟ )) . ذاع ذلك الخبر بين الناس ، فضحكوا من قول جحا وعجبوا من فعله ، ورثوا لحال ذلك الدائن المسكين.
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للشخص الذي يعين الناس بما يقدر عليه ، ويساعدهم بما يستطيع ، فيطمع الناس بما عنده من خير وعون ، فيلحّون عليه بالمسألة ويحمّلونه ما لا طاقة له به ، غباءا منه وجهلا .
أصله:
أن رجلا جاء إلى بغداد لقضاء بعض الأشغال فيها . فنزل ضيفا على رجل كان صديقا لوالده . وكان الرجل معدما ، فلما رأى الضيف يحلّ بساحته ، رحب به وأجلسه . فلما حان وقت الغداء ، أخرج الرجل بعض رغفان من الخبز ، كان قد أعدّها غداءا له ولإبنه ، ووضعها أمام الضيف مع ما تيسر له من إدام قليل . فراح الضيف يأكل رغفان الخبز بشهية عجيبة وشراهة غريبة ، حتى أتى عليها جميعا ، والرجل ينظر إليه ولا يقدر على الكلام . وبعد أن انتهى الضيف الثقيل من طعامه ، إلتفت إلى رب البيت وتشكّر منه لكرمه ، ثم (( گال له : عمي خبزك طيب .. گال له : من گرد عمّك )) . أي أن الخبز لو لم يكن طيبا ، شهيا لما أكله الضيف كله ولترك منه شيئا له ولولده وهذا من سوء طالع الرجل وشقائه . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس ، فعجبوا من فعل الضيف وسوء أدبه .
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للشخص الذي لايترك الفضول وهو في أشد الأ وقات عسرا وأكثرها حرجا ، حماقة منه وجهلا . أصله : أن نحويا - في أواخر العهد العثماني في بغداد – مرّ ذات يوم على ( ميناء الگمرك ) في بغداد ، وكان يقع آنذاك على شاطيء دجلة ، عند ملتقى ( سوق الساعه چيه ) بسوق الهرج . رأى ذلك النحوي لوحة كبيرة مكتوب عليها : ( دائرة الگمرك) . وكان ثمة خطأ نحوي في بعض حركات تلك الكلمات ، فاضطرب النحوي عند رؤيتها إضطرابا عظيما ، وأضمر في نفسه أن يصحح ما فيها من خطأ عند حلول الظلام لئلا يزعجه أحد أو يمنعه من ذلك . ولما جنّ عليه الليل أحضر سلّما ، ومطرقة ، وإزميلا ، وأدوات أخرى يحتاجها ، وجاء إلى باب ( دائرة الگمرك ) ، فوضع السلم على الحائط وارتقى عليه ، وراح يضرب على الحرف المراد تصحيحه بالمطرقة والإزميل ليزيل أثره ... فشعر به بعض العسس ، فظنوه لصا . فقبضوا عليه واقتادوه إلى الوالي . فظنه الوالي لصّا جاء يسرق شيئا من أموال الدولة . وكان عقاب اللص الذي يسرق أموال الدولة الشنق . فأمر الوالي به أن يشنق . وفي اليوم التالي نصبت المشنقة في السوق الممتد أمام دائرة الگمرك واجتمع الناس من كل فج ّ ليشهدوا عملية الشنق . وجيء بالنحوي ، فصاح بعض الصبية : (( جابوه .. جابوه ! )) . فصاح بهم النحوي : (( ويلكم يا أولاد ! ثكلتكم أمهاتكم ؟ .. ويلكم .. [ لا تقولوا : جابوه .. قولوا : جاؤوا به ! ] . )) . فسمعه الوالي ، فضحك من قوله ، وعلم أنه نحوي فضولي . فصدر حكم العفو عنه ، وخلّي سبيله .
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للشخص الذي يتقي المشاكل ، ويتجنب المصائب ، ولكن المشاكل تسعى إليه .. والمصائب تأتيه سعيا .
أصله:
القاضي – في زمن العصمنلي – كان لا يعيّن قاضيا في المدن الكبيرة إلاّ برشوة يقدّمها لمن بيدهم أمر تعيينه . وكان أهم ما يسعى إليه القاضي بعد تعيينه هو أن يقوم بجمع مبلغ الرشوة ، التي قدّمها عند تعيينه ، ثم جمْع مايمكن جمعه من المال من الرشاوي التي يجمعها من الناس .
وفي ذات يوم ، قدّم أحد القضاة رشوة كبيرة ، فعيّن قاضيا في بغداد . ولكنه ما لبث أن نقل إلى إحدى المدن الصغيرة في شمال العراق . وكان أهل تلك المدينة من الناس المستورين الذين يتجنّبون المشاكل ، وينزّهون أنفسهم عن العداوة والبغضاء . فلم تكن هناك دعاوي تُرفع ، ولم يكن هناك داعي أو مندعي يتقاضى القاضي منهم مايقدر عليه من الرشوة . فحار في أمره ، ولم يعرف كيف يخرج من ورطته . وفي ذات يوم تفتّق ذهنه عن حل سديد . فطلب من حاجب المحكمة أن يقف بباب المحكمة ، ويُدخل إليه أي رجل يمر أمام المحكمة . فكان الرجل إذا ما أُدخِل إلى المحكمة يسأله القاضي : (( إنت داعي ؟ )) فيجيب الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني ماعندي دعوى على أي شخص )) . فيسأله القاضي : (( هل إنت مندعي ؟ )) . فيقول الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني إنسان مسالم .. ماعندي عداوة ويه أي شخص .. وما أحد إله دعوى ضدي )) . فيقول القاضي لكاتب المحكمة : (( هذا الرّجّال خوش آدمي ..[ لا داعي ولا مندعي ].. إكتب له شهادة .. وأخذ منه ليرتين رسوم الشهادة .. )) . وبهذه الطريقة راح القاضي يجمع المال الحرام من الناس . فاْنتشر الخبر بين الناس ، وتندّروا به ، حتى وصل إلى الوالي ، فأمر بعزل القاضي ومحاكمته .
وذهب ذلك القول [ لا داعي ولا مندعي ].. مثلا
يضرب للشخص الذي ينال بحلو لسانه ما لايناله بقوة سلطانه ، ويظفر بجميل القول وحسن الكلام ، ما لايظفر به بطرف السنانوحدّ الحسام .
أصله:
أن رجلا كان يعيش في بيت قديم البنيان مع زوجه وولده . وكان في البيت حيّة تعيش في جحر في أحد حيطانه منذ أمد بعيد . وكان الرجل يكره أن تعيش الحيّة في بيته ، ويخشى منها على ولده . وفي ذات يوم رأى الرجل الحيّة تهمّ بدخول جحرها ، فأسرع إليها ليقتلها ، ولكنها استطاعت أن تفلت منه ، وأن تدخل جحرها فتنجو بحياتها . ومنذ ذلك اليوم أضمرت الحيّة للرجل وأهل بيته شرا . وفي صباح ذات يوم ، رأت الحيّة ربة البيت تعدّ الفطور لزوجها وولدها ، فتضع اللبن في أواني ، ثم تصفّ تلك الأ واني على منضدة الطعام . فرأت الفرصة مواتية للإنتقام من الرجل وأهل بيته ، فجاءت إلى اللبن فذرفت فيه من السم الزعاف مايكفي لقتل أناس كثيرين . ثم عادت إلى جحرها فدخلت فيه .
وبعد مدة وجيزة استيقظ الرجل من نومه ، فسمعت الحيّة زوجته تلومه على كراهيته للحيّة ومحاولة قتله لها . وقالت له : (( إنت هوايه غلطان .. هاذي الحيّة ساكنة ويانا من سنين .. وصارت واحدة من أهل البيت .. وآني أحبها مثل ما أحب ولدي )) . فأجابها : (( والله يامرة .. آني هم متندم على عملي .. ومن الآن فصاعدا راح أعامل الحيّة مثل ماتعامليها إنتِ .. وأحبها مثل ما تحبيها )) . وكانت الحيّة تنصت لما قاله الرجل وزوجته ، فلقي ذلك القول منها قبولا حسنا ، وندمت على ما فعلت من ذرف السم في أواني الحليب . فأسرعت خارجة من جحرها ، وذهبت إلى حيث يوجد بعض الرماد ، فتمرغت فيه . ثم راحت إلى أواني الحليب فجعلت تغطس في الأواني آنية بعد آنية حتى لوّثت الحليب كله بالرماد ، فصار غير قابل للشرب ، وأنقذت تلك العائلة من موت محتّم . ثم علمت المرأة بأمر الحية مع الحليب ، وخروجها من جحرها لتلوّثه . كما علمت أن الحيّة إنما فعلت ذلك بعد استماعها لكلامها وكلام زوجها . فقالت في ذلك :
{ لسان الحلو ... يطلّع الحيّة من الزاغور } . ثم علم الناس بذلك الأمر ، فعجبوا من فعل الكلام الطيب ، والقول المعروف في الناس .
وذهب ذلك القول مثلا
يضرب للبريء الذي يوضع موضع التهمة ، فينزل به العقاب قبل أن يستطيع النجاة بنفسه ، أو الخلاص بجلده .
أصله:
أن ثلاثة من الثعالب أصابهم الجوع ، وأمضّهم السغب . فخرجوا يبحثون عن طعام لهم . فلم يجدوا شيئا يتقوّتون به . فذهبوا إلى إحدى القرى القريبة لعلهم يصيبون فيها بعض الطعام . وبينما هم سائرون في طريقهم صادفوا قطيعا من الغنم متجها نحو تلك القرية . فسرّوا لذلك ، ودخلوا بين القطيع ليختفوا عن الأنظار ، ويترقّبوا الفرصة لعلهم يصيبون ديكا ، أو دجاجة من غير أن يشعر بهم أحد من أهل تلك القرية . ولسوء حظ تلك الثعالب أن القطيع كان يساق إلى مجزرة تلك القرية للذبح . فلم تلبث تلك الثعالب أن وجدت نفسها في داخل المجزرة ووجدت الجزارين يسرعون إلى الخراف فيتناولونها بالذبح الواحد تلو الآخر . أما أحد الثعالب – وكان كيّسا ماهرا – فأنه أطلق ساقيه للريح ، حال اطّلاعه على الأمر فنجا بجلده . وأما الثاني فقلّد صاحبه الذكي ، فأطلق ساقيه للريح مثله ، فنجا كذلك . وأما الثالث فقد بقي مختبئا بين الخراف وهو لايعلم – لغبائه – من الأمر شيئا .
ولما أصبح الثعلبان خارج المجزرة ، قال أحدهما للآخر : (( لننتظر قليلا حتى يأتي صاحبنا الثعلب الثالث )) فقال صاحبه : (( لا فائدة من الإنتظار . فإن صاحبنا لن يفلت من الذبح )) . فقال الأول : (( وماذا يفعل الناس بلحم الثعلب ؟ .. وإن صاحبنا ذكي ماهر ، وسيلقي بحجته إليهم ، ويثبت لهم أنه حصيني وليس خروفا ، فيتعفّفون عن ذبحه ، ويطلقون سراحه )) . فقال الثاني : (( ولك هذا عقلك ؟ .. هوه { لمّن يِثُبت نفسه حصيني ... يروح جلده للدباغ } . )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فعجبوا من ذكاء ذلك الثعلب ، ووفرة عقله .
وذهب ذلك القول مثلا