فهذا أعادني إلى تأريخنا القديم و الذي يؤكده بيت الشعر ؛ فكم من رجالنا عندما يقتلون فبسيف العرب و لكن تكون خلف هذا القتل يد أجنبية تريد الشر بأمتنا فتستعين ببعض من باعوا ذممهم من العرب لينفذوا مخططاتها و هذا ما امتد حتى يومنا هذا للأسف... فشهدت غزة و العراق احتراب بين الأخوان وفق أجندة صهيو - صليبية، صهيو - فارسية، لم تصب في صالح الأخوان يوما بل كانت تزيد الفرقة و التشرذم...
ثم استمر أستاذي يبث الراحل شكواه و يشخص الحال بأبيات شعر غاية في دقة التشخيص، و بعبارات تنم عن ألم الشاعر و استهجانه لكل ما يحصل
ثم ختمت القصيدة تعاتب الزمن لأن الدعي و الجاهل صار يحكم فينا و رفيقه في الحكم الظلم...
هنا استوقفني بيتان : أعلنت في الأول أن لنا في كل يوم مصيبة : رحيل أديب أو حبيب
اسمح لي أستاذي أن أخالفك الرأي فالمصائب ليست بموت و رحيل الأدباء في زمن يحمل من المصائب ما تستحق أن نقول عنها مصائب أما موته هنا مقابل ضياع أوطاننا فلم يكن هو المصيبة ...
لنا كُلَّ يَوْمٍ في البلادِ مُصيبةٌ = رَحيلُ أديبٍ أوْ حبيبٍ يُماثِلُه
حنانيْكَ رَبِّي فالحَياةُ مَليئةٌ = بـِكُلِّ دَعِيٍّ لا تَرِثُّ حَبائِلُه
ثم وجدتك في الثاني كمن يستنكر موت درويش و يتمنى لو أن كان الموت قد طال الدعي الذي أبدعت في وصفه بدقة في الأبيات التي تلت حتى ختام القصيدة.
إذن أستاذي عبد الرسول و من خلال هذه القصيدة رثى الراحل بأبيات لم يكن يريدها في تعداد محاسن درويش فقط و لكنه :
- تمكن من وضع يده على العديد من الأمور السلبية التي يعانيها مجتمعنا العربي اليوم من تسلط الجهلة على أمورنا و تسنمهم زمام الأمور و خلط الدين بالسياسة بقوله :أيا زَمَناً فيهِ الدَعِيُّ وجاهِلُهْ = تَصَدّى يَقودُ الناسَ والظُّلْمُ ساحِلُه
أمَحْمودُ إنَّ الدِينَ صارَ سِياسَةً = فَرائِضُهُ ماتَتْ وحالَتْ نَوافِلُه
- تمكن من تحديد هوية من يتلاعب بمصير رجالنا عبر بيتين هما برأيي كل القصيدة :
لنا في بُيوتِ العُرْبِ مليونُ ثاكِلٍ = فتاها بسيفِ العُرْبِ أرْداهُ قاتلُه
أمَحْمودُ إنَّ الجُْرْحَ ما زالَ نازِفا = وَمِنْ دَمِنا ابْنُ العَمِّ يَقْطُرُ ذابـِلُه
- تمكن من استهجان من يقتلون باسم الدين و الوطن بقوله :
يَرى أُمّة ًبَلْهاءَ قائِدُها العَمَى = أَبَى جَهْلُها إلا الشقيقَ تُقاتِلُه
كأنَّ الُهدى قَتْلُ البَريءِ وَحَرْقُهُ = وَهذا جِهادٌ لا يُناقَشُ قائِلُه
- أعطى وصفا شاملا للدعي و حدد هويته تماما بقوله :
تَلَبَّسَ بالتَقْوى وزَيَّنَ نَفْسَهُ = وَمُرِّغَ في حِضْنِ الرَذيلةِ داخِلُه
تَرِنُّ بأمْوالِ اليَتامى جُيوبُهُ = وَتُنْفَخُ مِنْ أكْلِ الحَرامِ مَفاصِلُه
يُحَدَّثُ عَنْ عَدْلٍ وَيُخْفي شُرورَهُ = وَعَنْ كُلِّ سُوءٍ حَدّثـَتْنا شمائِلُه
إذا اشْتَدّتِْ الأيّام لاذَ بجُحْرِهِ = وإنْ فُرِجَتْ يوْماً تَكلَّمَ باقِلُه
إذن فالقصيدة قد عبرت عن حزن شاعرنا لما آلت إليه أحوالنا عبر حزنه بفقد الراحل درويش، و من خلالها أوصل ما يريد قوله كل مواطن شريف أصيل يهمه حال الأمة و التشرذم الذي بات يؤرقنا...
وجدت مبدعا استطاع فعلا أن يقول و بكلمات قليلة ما تضمه كتب التأريخ و نشرات الأخبار...
لك تحياتي و تقديري و مثلها لحرفك الذي يأتينا دائما محلقا في سماء الإبداع.
و أكرر شكري لأستاذي عدي إذ اختارني لأكون ضمن من يناقشون أستاذي الفاضل عبد الرسول.