لك الرّسائل ، ولنا ماتخبئه جدران البريد
العزيزة كما الوطن
سلم الله قلبك وحرفك
والف تحية
مساؤك الخير و الـ أستاذتي كوكب
و أعتذر جدا إن تأخرت بالعودة ؛ فأكرميني بقبول اعتذاري
و أشكرك جزيلا لمرورك اللطيف برسائلي إلى النور
و سلم الله قلبك و روحك و قلمك الكريم معي.
ما زال هناك بعض رسائل
و لا أدري ما الذي أخّرني عنها
سأخرج ما تبقى منها إلى النور قريبا بإذن الله.
تحياتي لك و عميق امتناني.
صباحك خير و نور،
اشتقتك،
و أعتذر إن تأخرت برسالتي إليك أيتها النور ؛ فلقد شغلت عن مراسلتك بالبحث بقعر الصندوق و بين الرفوف عن مذكراته حتى عثرت على هذي
كتبها ذات يوم رأيت الرجال تخلع ثوب الرجولة و تشترك بوأد براءة النساء، بأمر من امرأة أتعبها الحقد على من هجرت الحديث إليها بعدما وجدتها إمعة لا تجيد سوى النعيق شرّا عن الجميع
و لا تجيد العيش على قمم الجبال، فذهبت للجميع تنعق بصوت قبيح و تنسج قصصا كاذبة عن اليمامات و الصقور و السنونوات.
لك ما جاء بين صفحات مذكراته :
إليك هنا نصيحتي ؛ يا من أثقلت كاهل البومة و الخفافيش المرافقة لها بما تكتبين من صدق الشعور الذي لا تعرفه بومة الخرائب و لا يفقهه من الغربان من لا يخشون الله و من غادرتهم ضمائرهم منذ زمن طويل.
شغلهم و أرقهم نور حروفك لأنك لم تكتبي عن نهدي البومة و لا تغزلت بوجوه الخفافيش، بل شهرت قلمك بوجوههم و كشفت عن خبثهم، و لأنك لم يغادرك حرف الوفاء لبقعة الوطن و بقعة النور التي في القبر تمددت لتحيى النخلات...
و آه لو يعلمون ما بجعبتي عنهم و ما في جوف بحري من أسرار علمتها عنهم فأصابتني حالة من الغثيان بعد جولة مع الذهول لفترة طويلة...!!
أ ليس هذا الغراب من كان يصوم و يصلي و يحدثنا بأمور الدين ؟!
و أ ليس صاحبه الغراب الآخر من يتحدث عن طهر النفس و حق الله علينا فيما نكتب و ما نقول ؟
و أ ليس صديقهم الغراب الثالث من كان يكيل لنا من كلمات الود و المحبة بدون حساب ؟
و رابعهم من يرفع صوته أمام القضاة يطالب بالبراءة للبريء و يدفع الحيف و الظلم عن المظلوم ؟
عجبت لعهر حروفهم ! و لخستهم فيما يتقاولونه ! و لدناءتهم و ما وصلوا إليه من قبح صوت و وجه و خلق
صغيرتي، لا تبالي لصوت البومة لو همست بالكذب في أذني كل خفاش تصادفه، و اعلمي أن الله يرى و يسمع و يعلم ما تخفي السرائر و النفوس.
كوني كما أنت، تلك الصداحة في كل روض بلا وجل و لا خوف إلا من الله،
و أبقي على بياض و طهر قلمك و قلبك و دعي البومة بوجهها الأسود تنعق بين الغربان بقول الزور حقدا و دعيها تزر وازرة وزر أخرى فالله يرى،
و دعي الغربان ترافقها في النعيب، ليشكلوا جوقا صوته النشاز و فعله الفسوق،
دعيهم يصفقوا للبومة كلما صبت لهم الخمر في ليل شعرها، و زادت من مجونها، ليزدادوا قبحا عندما يثملون فينعبون بصوت قميء.
و اتركي أمرهم، فما عندي عن البومة كثير من صور النفاق و الكذب، و ما عندي عن الغربان الكثير من صور الدجل و الفجور و الكلمات السوداء في ليالي التيه التي لفتهم جميعا بظلمة الليل و سواد قلوبهم و ضمائرهم ؛
سأطلقها إلى السماء ذات يوم لتحرقها الشهب، فيرى الناس وجوههم الكالحة و هي تتحول لقبضة من رماد بين يديك.
و ابعثي للبومة ببرقية تعزية لشرفها الذي هدر بين أقدام من تملقوها و شربوا من خمر دنانها و تغزلوا بمفاتن ما عرّت من جسدها، مقابل حفنة من دجل و نفاق لا تعرف غيره طريقا مظلما،
و ببرقية تعزية للرجال بهيئة الغربان بموت رجولتهم، و كرامتهم، يوم أدمنوا حديث الزور و أدمنوا عصيانهم لأوامر الله، فزوّروا و كذّبوا و قذفوا المحصنات، و لجبنهم...
و اهجريهم حتى يأذن الله فيصلهم صوتك بأنك تلك الهامة التي لن يصلوها مهما طاولوا عنان السماء، و سيعلمون أن حجاراتهم التي أرادوا قذفك بها إنما ستعود إلى وجوههم لتفقأ عيونهم و تخرس صوت البومة النشاز.
دكي عنق كلماتهم، بلون كلماتك الوضاء، لأن النور يحرقهم و الشمس تفتك ببؤبؤ عين من اعتاد المؤامرات ليلا.
صغيرتي، لا عليك... و كوني كما يريد لك الله دائما بخير.
فقط أخبريني، علّك بأمرهم يا حلوتي تعلمين و لو قليلا :
كيف للأديب ألا يكون أمام الله و المرآة و وسادته أديبا ؟!
و كيف يطلق كلماته سوداء من صندوق كتب عليه بأمر من الله (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ؟!
و كيف يترك لقلمه و أذنه و لسانه أن يحملوه أوزارا تجعله صغيرا في الدنيا و حطبا لنار جهنم في الآخرة ؟!
و كيف له أن يشترك مع من لا يخشى الله بظلم الشمس عندما يستمع لصوت البوم ليلا ؟!