أحلام مستغانمي ..
يليق بك الأسود
يقال وأنا ممن يؤمن به ( قصيدة .. قول .. كتاب .. قصة .. رواية , واحدة ) قد تخلد شخصا . فليست القضية بالكثرة والكمية على حساب النادر والنوعية . فبيت للمتنبي يوازي المجموعات الكاملة للكثير من الشعراء , والياطر أو بقايا صور توازيان كل ما كتبه وسيكتبه بعض روائيينا ( العظام ) عظّم الله أجورنا جميعا لما فيه سؤدد هذه الأمة التي تعشق السؤدد الموعود , كعشقها للجنان وحورياتها وولدانها وخمرها ولبنها الموعود أيضا والتي لن تنالها إلا هي وأبليس .
أحلام مستغانمي .. روائية جزائرية وضعتها روايتها // فوضى الحواس // وبجدارة في مصافي الأدباء الكبار .. والتي تبنى كتابتها أكثر من شخص , ورست عليها .. وهي بحق من عيون الأدب الروائي , سردا , ولغة , وموضوعا .. وهي خلّدت أحلام .
أحلام في / فوضى الحواس / صنعت مجدا لم تستطع البناء عليه .. فما أتى بعد فوضى الحواس لم يرق لمستواها , لا لغة ولا سردا ولا حوارا ولا مضمونا , بل تراجعت فيها جميعا , وانحدرت مضمونا إلى درجة الخواء , ففي // نسيانكم // مثلا , كانت كمن يعتصر بقاياه وما اختزن من تراث الآخرين , وفي // الأسود يليق بك // تواضع كل شيء .. سردا ولغة وحبكة وموضوعا وهو العمود الفقري في أي رواية , فخرجت حكاية ؛ لغني , كان فقيرا , وفجأة اغتنى بقدرة الله الذي لا إله إلا هو , والذي ( لاينهمر رزقه كالمطر إلا على القوادين من عبيده ) وتذهب به إلى أقصى الجنوب الأمريكي لغاية شبه مؤكدة , وهي إبعاد الشبهات عن رجل بعينه وأخذت البطلة إلى الجزائر كذلك لإبعاد الشبهة كذلك عن امرأة بعينها . الرجل الذي غادر طبقته وصار من أغنياء الكون , والذي أراد أن ينتقم من تاريخه السابق وتطليقه بالثلاثة , بإهانة وسحق ما تسنى وما وقع تحت يديه من طبقته السابقة وثوب الأمس , والمتمثل في الرواية بالبطلة وما يحيط بها .
الشيء الوحيد الذي قالته أحلام في // الأسود يليق بك // هو تأكيد انفصالها عن..
- الحالة الابداعية في فوضى الحواس
- قطعها حبل السرة مع الطبقة التي كانت تكتب عنها
- لغة الجمال والسهل الممتنع في فوضى الحواس
في // فوضى الحواس // وقفت أحلام مع فقراء الأرض وشريانها , الذين يزرعونها بأرواحهم كي تبقى طاهرة .. عصّية على التدنيس . قدّمتهم بلغتهم الجميلة وحلمهم الأجمل , الذي لا يتعدّى الخبز والكرامة .. فضحت المتسلقين المتسللين خارج طبقتهم .. عرّت الواقع الذي أتى بطبقة جديدة هي ما يسمى طبقة ( الثوار ) البديلة للمستعمر .
في / فوضى الحواس / قدمت أحلام .. لغة أدبية من الطراز الأول , الراقي الجميل .. شدّت إليها الجيل الجديد , الذي جعل تطور التكنلوجيا بينه وبين تراثه فجوة كبيرة .
في / الأسود يليق بك / لم تكن موفقة في شيء , لا في اللغة ولا في السرد ولا في الرأي ولا في الموضوع , وتماهت في تناقض فظيع .. فهي وصّفت ما جرى في الجزائر بالإرهاب وقدمته بمنتهى الدقة والموضوعية وعندما تصل إلى سوريا .. في ذلك الفصل الذي حشرته حشرا في الرواية لتبثنا رأيها .. تقف في صف من كانت وإلى اليوم .. تقاتلهم بكل ما أوتيت .. تقف في صفهم عندما تصل إلى سوريا .. فمن كانوا إرهابيين وقتلة ومتخلفين وضالين في الجزائر .. في سوريا ثوارا
كأن بين أحلام مستغانمي وسوريا وشعبها ثارا .. ففي نسيانكم خلقت مهندسا سوريا ترك سوريا ليعمل في فرنسا دهانا .. والذي حولته نصابا غدارا .... أحلام مستغانمي .. في المرتين تدحش فصلا عن السوريين ؛ لتسجل موقفا ينمي عن حقد دفين تجاه الشعب السوري والذي أغلب عشاقها ومحبيها منه . دست الفصلين في الكتابين , من دون أي مناسبة , لتقول .. أنا ضد القتلة في الجزائر وهم إرهابيون .. ومعهم عندما يأتون من أصقاع الأرض ؛ لقتل الشعب السوري , وهم هنا ثوارا .. كأن بين أحلام والسوريين ثار قديم أو حديث .. لعله حقد طائفي أو طبقي او فئوي أو شخصي أو حريري , وكل الاحتمالات واردة
نعلم أن الإنسان لا يمكن أن ينفصل عن بيئته وواقعه , السياسي والاجتماعي والطائفي والطبقي , إلا الأديب فهو كالمؤرخ , يجب أن يكتب بتجرد .. وعندما يقول رأيه فليقل ما يشاء
الأدب العظيم في كل فنونه ومجالاته , هو الذي يرتقي ويرقى بمتلقيه إلى أفق الإبداع والجمال
والأديب العظيم .. هو الذي يرقى ويترفّع عن المسألة الشخصية إلى المسألة الإبداعية , وهو الذي يحاكي وجع الشريحة الأعظم في المجتمع ليرقى بها إلى عالم الإبداع والجمال والحق .
الأديب العظيم .. هو الذي يترك الذاتي إلى العام
أحلام مستغانمي في / فوضى الحواس / ارتقت إلى العام وفي غير ذلك تكورت إلى خاص الخاص , إلى الخواء
تذكرني أحلام , بمن يشاع عنه الأخلاق .. فيبقى خلوقا ولو غيّر الطريق فتبقى الصفة الأولى تلازمه , ومن يشاع عنه قلة الأخلاق ولو تاب وغيرّ الدرب الصفة الأولى تلاحقه إلى القبر
هناك من ترفعهم الصدف والظروف إلى مصاف عالية جدا قد لا يستحقونها
وهناك مبدعون لا تأتيهم الظروف ولا توافيهم الصدف , يذهبون هم وإبداعهم إلى القبر ولا يعرفهم ولا يسمع بهم أحد
من لا يملك الصدف , وإن ملك كل أدوات وملكات الإبداع لن يصل إلى المتلقي وسيخسره المجتمع والثقافة
كنت أتمنى لو أن أحلام مستغانمي أوقفت الكتابة الروائية عند فوضى الحواس , وتابعت كتابة الومضة , والنثر
أنا متأكد أن قراءتي هذه لن تعجب البعض , على مبدأ / من يشاع عنه الإبداع / الاقتراب منه .. كالاقتراب من الآلهة .. فنحن عبيد ما يشاع
• إبراهيم حسون