لم يكن يحبها، ولم تكن تحبه، ولكن كل منهما يحمل هدفا ما .
هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وتلك السيدة التي تخطت سنين الشباب ، وأصبحت في الخمسين . كل منهما يبحث عن هدف ما ليشبع رغبته التي لطالما قضيا السنوات بحثا عنها. انه الآن يعيش في بلد أوروبي، في بلدها الذي رحل إليه منذ زمن بعيد وحين حاول العثور على امرأة في عمر الشباب لم يسعفه الحظ ولا لغته الركيكة والتي من خلالها حاول اصطياد الفتيات. وحين التقى بهذه السيدة والتي تعمل في حانة بالقرب من بيته المطل عليها، رضي بها، وأقنع نفسه بأنه يحبها، وأقنعت نفسها أنها تحبه. وأخيرا تزوجا، وضمهما بيت صغير متواضع بعد أن انتقلا إليه ليعيشا معا . هو يبحث عن أشياء كثيرة، وهي تبحث عن شيء واحد فقط لا غير. هو يبحث عن بلد مستقر، آمن، يجد فيه المال والحياة الهانئة والإقامة الدائمة . وهي تبحث عن إرضاء شهوتها الجامحة، التي مازالت تتشعب في جسدها كألسنة من لهب. والتصقت به وأومأت إليه ليقبلها، لكنه أشاح بوجهه عنها وابتعد قليلا. لم تتوقف وأعادت المحاولة مرة أخرى واقتربت منه وألصقت خدها المتجعد الصامت الموحش بخده النابض المنتعش بروح الشباب. إنها مملة وفارغة، قبلاتها مثلها فارغة، لا روح فيها، وهو لم يتزوجها إلا لشيء، يجب أن يحققه من خلال هذه المرأة المتصابية، فيغمض عينيه مقبلا شفتيها اليابستين باشمئزاز، ثم يتوقف، لكنها تنهره ليستمر ويستمر في هذا الجحيم الذي يعيشه الآن في أحضان امرأة أخذت منه لذة الحياة وأغرقته في آمال متناثرة، آمال ربما لن تتحقق، آمال في طريقها إلى التشتت والضياع . لا بأس قال، وغابا في عراك الشهوة الجامحة والقبل الزائفة. ومر شهر ومر الآخر وتجمعت الشهور عند بابهما كالأشباح المتواثبة. وأدرك أن عمره يضيع وأنه يفنني أيامه الشابة من أجل امرأة تافهة، لا تبحث إلا عن رغبتها ولا ترى فيه إلا شلالا من الشهوة المتدفقة ، من شاب يمتلك الرجولة والقوة وروح الشباب المتوثب . ومر عام على زواجهما وأحس بالأيام تفترس روحه ، وتغلق شريان الحياة في جسده......... ويخرج من المنزل باحثا عن حانة ، عن مسكن لآلامه المتشعبة في صدره. إن هذا الليل يبعث فيه الحزن والألم كثيرا، كثيرا. هذا الليل الذي يتغزل به الشعراء وعاشقو الليل والجالسون عل رصيف العشق، لم يعد يعني له شيئا كثيرا . ويثمل ، يثمل كثيرا ويغيب مسافرا في أحزانه الكبيرة، يسافر ويبقى ساعات طوال إلى أن يأتي إليه الصباح حاملا صوت الجر سون وهو يقول: الساعة الآن السادسة، نريد إغلاق الحانة ، لو تكرمت أيها الشاب ! وتغلق الحانة أبوابها، ويعود إلى البيت، يعود وهو مترنح ، متعب ، مثخن بجراحه الأبدية. يطرق الباب ، وهو يردد أغنية حزينة. يستمر في طرق الباب ، لكن زوجته لم تنم تلك الليلة، لم تنم .. ليس لأنها قلقة عليه بل، لأنها تريد أن تنفث في وجهه عباراتها السامة القاتلة.... وقالت : هذا أنت أين كنت ؟. لماذا تأخرت؟ ، لم يعد لك مكان هنا ، ابق في الخارج ، نم أينما شئت ! نم في الجحيم! لكنك لن تدخل إلى هنا ....قالت ذلك في أقل من ثلاثين ثانية، وأغلقت الباب في وجهه وعادت إلى سريرها الوحيد، إلى فراشها الوثير، لتغمض جفنيها وتريح جسدها الذي بقي متوترا طيلة تلك الليلة الغاضبة . لم يقل شيئا، بل انفجر باكيا ، بكى، بكى كثيرا، كثيرا وأسند ظهره إلى الحائط . انها المرة الأولى التي يبكي فيها بكاء مرا.... وتمنى لو إنه الآن في حضن أمه التي لم يرها منذ سنوات عديدة . انه قابل للانفجار، لا يهمه أي شيء ، يريد أن يتبخر ، ويريد أن يرحل ، يريد أن يختفي، وفعلا اختفى وفعلا تبخر ، وأصبح حديث الناس والقراء الذين قرؤا في الصحف اليومية عن موته الغامض
يهاجر الشباب بحثاً عن حياة جدية وأمان وعمل
ولكنهم يصطدمون بالواقع
اللغة
الدراسة
الخبرة
فيلجأون الى طرق أخرى للحصول على الإقامة والمال كما حال هذا الشاب الذي ضيعه حلمه بهذا الإختيار الغير مناسب
وهناك من يضع خطواته بالشكل الصحيح ويكافح ويدرس ليصل إلى أعلى المستويات