آخر 10 مشاركات
الزحاف الجاري مجرى العلة في القصيدة (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          دمـوعٌ خـرســــــــــاء .. !!!!! (الكاتـب : - )           »          محبك في ضيق..وعفوك اوسع ... (الكاتـب : - )           »          الزحاف المركب ( المزدوج) في العروض (الكاتـب : - )           »          الزحاف المفرد في العروض (الكاتـب : - )           »          أسماء القافية باعتبار حركات ما بين ساكنيها (الكاتـب : - )           »          في السماء بلا حدود (الكاتـب : - )           »          خطاب فلسطيني (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الأدب العربي والفكر النقدي > دراسات نقدية,قراءات,إضاءات, ورؤى أدبية > قراءات ,إضاءات,ودراسات نقدية

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من أهلا وسهلا : بالشاعر خالد صبر سالم على ضفاف النبع يامرحبا منوبية كامل الغضباني من من عمق القلب : سنسجّل عودة الشاعر الكبير خالد صبر سالم الى منتدانا ************فمرحبا بالغائبين العائدين الذين نفتقدهم هنا في نبع المحبّة والوفاء وتحية لشاعرنا على تلبية الدّعوة

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 04-01-2010, 02:08 AM   رقم المشاركة : 1
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي مع الروائي محمد جبريل

الروائي محمد جبريل
...................

*محمد لطفي جبريل.
*روائي وقاص.
*من مواليد الإسكندرية 1938م.
*خريج قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية 1959م.
*عمل فور تخرجه بصحيفة الجمهورية، ثم المساء (دار التحرير للطبع والنشر).
*أنجزت عنه خمس رسائل ماجستير ودكتوراه.
*درست قصصه في عدد من الجامعات العربية.

مؤلفات محمد جبريل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ تلك اللحظة ( مجموعة قصصية ) 1970 ـ نفد
2 ـ الأسوار ( رواية ) 1972 هيئة الكتاب ـ الطبعة الثانية 1999 مكتبة مصر
3 ـ مصر فى قصص كتابها المعاصرين ( دراسة ) الكتاب الحائز على جائزة الدولة ـ 1973 هيئة الكتاب
4 ـ انعكاسات الأيام العصيبة ( مجموعة قصصية ) 1981 مكتبة مصر ـ ترجمت بعض قصصها إلى الفرنسية
5 ـ إمام آخر الزمان ( رواية ) الطبعة الأولى 1984 مكتبة مصر ـ الطبعة الثانية 1999 دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
6 ـ مصر .. من يريدها بسوء ( مقالات ) 1986 دار الحرية
7 ـ هل ( مجموعة قصصية ) 1987 هيئة الكتاب ـ ترجمت بعض قصصها إلى الإنجليزية والماليزية
8 ـ من أوراق أبى الطيب المتنبى ( رواية ) الطبعة الأولى 1988 هيئة الكتاب ـ الطبعة الثانية 1995 مكتبة مصر
9 ـ قاضى البهار ينزل البحر ( رواية ) 1989 هيئة الكتاب
10 ـ الصهبة ( رواية ) 1990 هيئة الكتاب
11 ـ قلعة الجبل ( رواية ) 1991 روايات الهلال
12 ـ النظر إلى أسفل ( رواية ) 1992 ـ هيئة الكتاب
13 ـ الخليج ( رواية ) 1993 هيئة الكتاب
14 ـ نجيب محفوظ .. صداقة جيلين ( دراسة ) 1993 هيئة قصور الثقافة
15 ـ اعترافات سيد القرية ( رواية ) 1994 روايات الهلال
16 ـ السحار .. رحلة إلى السيرة النبوية ( دراسة ) 1995 مكتبة مصر
17 ـ آباء الستينيات .. جيل لجنة النشر للجامعيين ( دراسة ) 1995 مكتبة مصر
18 ـ قراءة فى شخصيات مصرية ( مقالات ) 1995 هيئة قصور الثقافة
19 ـ زهرة الصباح ( رواية ) 1995 هيئة الكتاب
20 ـ الشاطئ الآخر ( رواية ) 1996 مكتبة مصر ـ ترجمت إلى الإنجليزية ـ الطبعة الثالثة 2002 هيئة الكتاب
21 ـ حكايات وهوامش من حياة المبتلى ( مجموعة قصصية ) 1996 هيئة قصور الثقافة
22 ـ سوق العيد ( مجموعة قصصية ) 1997 هيئة الكتاب
23 ـ انفراجة الباب ( مجموعة قصصية ) 1997 هيئة الكتاب ـ ترجمت بعض قصصها إلى الماليزية
24 ـ أبو العباس ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1997 مكتبة مصر
25 ـ ياقوت العرش ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1997 مكتبة مصر
26 ـ البوصيرى ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1998 مكتبة مصر
27 ـ على تمراز ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1998 مكتبة مصر
28 ـ بوح الأسرار ( رواية ) 1999 روايات الهلال
29 ـ مصر المكان ( دراسة فى القصة والرواية ) 1998 هيئة قصور الثقافة ـ الطبعة الثانية 2000 ـ المجلس الأعلى للثقافة
30 ـ حكايات عن جزيرة فاروس ( سيرة ذاتية ) 1998 دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
31 ـ الحياة ثانية ( رواية تسجيلية ) 1999 ـ دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
32 ـ حارة اليهود ( مختارات قصصية ) 1999 ـ هيئة قصور الثقافة
33 ـ رسالة السهم الذى لا يخطئ ( مجموعة قصصية ) 2000 ـ مكتبة مصر
34 ـ المينا الشرقية ( رواية ) 2000 ـ مركز الحضارة العربية
35 ـ مد الموج ـ تبقيعات نثرية ( رواية ) 2000 ـ مركز الحضارة العربية
36 ـ البطل فى الوجدان الشعبى المصرى ( دراسة ) 2000ـ هيئة قصور الثقافة
37 ـ نجم وحيد فى الأفق ( رواية ) 2001 ـ مكتبة مصر
38 ـ زمان الوصل ( رواية ) 2002 ـ مكتبة مصر
39 ـ موت قارع الأجراس ( مجموعة قصصية ) 2002 ـ هيئة قصور الثقافة
40 ـ ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ( رواية ) 2003 ـ روايات الهلال.
41 ـ زوينة ( رواية ) 2004 ـ الكتاب الفضى.
42 ـ حكايات الفصول الأربعة ( رواية ) 2004 ـ دار البستانى.
43 ـ صيد العصارى ( رواية ) 2004 ـ دار البستانى.
44 ـ غواية الإسكندر ( رواية ) 2005 ـ روايات الهلال.
45 ـ الجودرية ( رواية ) 2005 ـ المجلس الأعلى للثقافة.
46 ـ رجال الظل ( رواية ) 2005 ـ دار البستاني.

***

كتب عن محمد جبريل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الفن القصصى عند محمد جبريل ـ مجموعة من الباحثين ـ مكتب منيرفا بالزقازيق.
2-دراسات فى أدب محمد جبريل ـ مجموعة من الباحثين ـ مكتب منيرفا بالزقازيق.
3-صورة البطل المطارد فى روايات محمد جبريل ـ حسين على محمد ( دكتور ) ـ دار الوفاء بالإسكندرية.
4-فسيفساء نقدية : تأملات فى العالم الروائى لمحمد جبريل ـ ماهر شفيق فريد ( دكتور ) ـ دار الوفاء بالإسكندرية.
5-محمد جبريل .. موال سكندرى ـ فريد معوض وآخرين ـ كتاب سمول.
6-استلهام التراث فى روايات محمد جبريل ـ سعيد الطواب ( دكتور ) 1999 دار السندباد للنشر.
7-تجربة القصة القصيرة فى أدب محمد جبريل ـ حسين على محمد ( دكتور ) 2001 كلية اللغة العربية بالمنصورة ـ الطبعة الثانية 2004 ـ أصوات معاصرة
8-فلسفة الحياة والموت فى رواية الحياة ثانية ـ نعيمة فرطاس ـ 2001 ـ أصوات معاصرة
9-روائى من بحرى ـ حسنى سيد لبيب ـ 2001 ـ هيئة قصور الثقافة.
10-محمد جبريل: مصر التى فى خاطره ـ حسن حامد ـ 2002 ـ أصوات معاصرة.
11-سيميائية العقد فى رواية النظر إلى أسفل ـ عبد الرحمان تبرماسين ، العطرة بن دادة ـ2004 ـ أصوات معاصرة.
12-التراث والبناء الفنى فى أعمال محمد جبريل الروائية ـ سمية الشوابكة 2004 ـ هيئة قصور الثقافة.
13-المنظور الحكائي في روايات محمد جبريل ـ محمد زيدان (دكتور) ـ 2005 ـ أصوات معاصرة.







  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 02:09 AM   رقم المشاركة : 2
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

اليهود بين الأنفوشي والجماليَّة
في قصص محمد جبريل

بقلم : أحمد فضل شبلول
.........................

يدعونا محمد جبريل في مجموعته القصصية "حارة اليهود" الصادرة عن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة في سبتمبر 1999، إلى التسلح بالوعي واليقظة والحذر، وإلى المقاومة وعدم الاستسلام، فاليهود يتربصون بنا، يتسللون من بين سكوتنا وخلافاتنا، ينتظرون اللحظة الحاسمة للانقضاض على الوطن والتهامه.
وفي سبيل ذلك يتوسل الكاتب بوسائل فنية عدة، من أهمها استخدام الرمز الشفيف، مثل السمانة في قصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي". وهذه القصة على الرغم من قصرها فإنها تحمل معظم خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل، والتي من أهمها: 1 ـ الجملة التلغرافية أو الجملة القصيرة السريعة الموحية. 2 ـ الوصف، وخاصة وصف البيئة السكندرية، واستخدام مفرداتها الحياتية، ومفردات الطبيعة فيها. 3 ـ التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي. 4 ـ توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة.
ولنتأمل هاتين الجملتين على سبيل المثال: الصاري المرتفع الخالي من العلم، اكتفت (مجموعات السمان) بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها.
إن الصاري الخالي من العلم يدل دلالة أكيدة على ضياع الهوية. لقد وجدت السمانة أناسا بلا هوية، وبلا زمان محدد أيضا، فوجود العلم فوق سراي رأس التين، ربما كان يسهم في تحديد الفترة الزمنية، وهل هي قبل قيام ثورة 1952 حيث العلم المصري الأخضر يتوسطه الهلال الأبيض أيام الملكية، أم بعد قيام الثورة حيث تغير شكل العلم إلى ثلاثة ألوان: الأحمر والأبيض والأسود.
ويبدو أن الزمن لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة للسمانة التي جاءت تستطلع المكان، ونفوس البشر، وتختبر عنصر المقاومة لديهم. وقد وجدت السمانة الفرصة مهيأة تماما لاستيطان قومها هذا المكان. فالمباني تآكلت ـ أي لم يعد لديها القدرة على المقاومة، إنها ستنهار مع أول صرخة ريح. والقوارب الصغيرة تناثرت فوق الرمال، دلالة إما على تعطل أصحابها عن العمل، أو انتهائهم من عملهم وانصرافهم إلى لهوهم ومتعهم. والوقت خريف حيث يخلو الشاطئ أو طريق الكورنيش ـ عادة ـ من المارة بعد انقضاء فصل الصيف وعودة المصطافين ـ والمستفيدين من وجودهم ـ إلى سابق أعمالهم، وتصبح المدينة خالية إلا من أهلها.
إن المكان السكندري، وهو رمز للمكان المصري بعامة ـ له وجوده الحي الملائم لهذه السمانة الرمز أيضا. فمحمد جبريل يحمل في وعيه هذا المكان ليس باعتباره الإسكندرية التي يحبها ويوظفها في معظم أعماله الإبداعية، ولكن يوظف المكان ـ الرمز ـ هنا باعتباره المكان الذي دلف منه الرومان إلى مصر بعد انتصار أوكتافيوس أغسطس على أنطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم البحرية سنة 31 ق.م، فكان احتلال الإسكندرية ثم مصر عام 30 ق.م، وهو المكان الذي دخل منه الفرنسيون في حملتهم على مصر في أول يوليه عام 1798، وهو أيضا المكان الذي دخل منه الإنجليز عام 1882.
لم يغب هذا التاريخ عن وعي السمانة، ولا عن وعي الكاتب التاريخي، لذا اختاره ليكون موقع الهجوم القادم لأسراب السمان التي جاءت من أوربا ـ مثلها مثل الغزاة السابقين ـ والتي غطت الشاطئ والشوارع والأزقة وأسطح البيوت، والشقق والدكاكين، حتى الكبائن المغلقة.
إن هذا الهجوم والاستيطان سيكون نقطة انطلاق الكاتب إلى قصة أخرى هي "حارة اليهود" التي حملت المجموعة اسمها، حيث نجمة داود المتداخلة في الأبواب والشرفات، مما يدل على دقة التنظيم والانتشار والنظام وحب العمل والكسب التي أشار إليها المؤلف في القصة الأولى. وكأن القصة الثانية التي دارت أحداثها في القاهرة، تأتي مكملة للقصة الأولى، وكأن محمد جعلص بطل القصة الثانية "حارة اليهود" يحقق رغبات الناس ـ في القصة الأولى ـ الذين تبين لهم أن السكوت عن المقاومة طريق إلى الجنون، فمحمد جعلص اكتوى بنار القروض والشيكات المؤجلة وبضائع الأمانة التي أغرقه فيها اليهود، ثم فجأة هطلوا عليه كالسيل دفعة واحدة يطالبون بأموالهم، فأفلسوه في يوم وليلة. لقد انتهز محمد جعلص فرصة ضرب أطفال اليهود لعلي الصغير، وطاح ـ هو ومن معه ـ في سكان حارة اليهود بالشوم والعصي والنبابيت والسكاكين والخناجر. ويأتي سؤال عبد العظيم هريدي في هذه القصة ذا مغزى ودلالة عميقة. فعندما يقول محمد جعلص بعد انتهاء المعركة: "علقة .. لن يعودوا بعدها إلى أذية الناس". يعلق هريدي بقوله: "هل تظن ذلك ؟". إن هذا التعليق أو التساؤل لم يزل في حاجة إلى إجابة، مثله في ذلك التساؤل الذي ورد في القصة الأولى: هل يعد السمان نفسه لإقامة طويلة؟. وهنا تبرز خصيصة من خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل تتمثل ـ كما سبق القول ـ في: التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي.
ولعل المدقق في القصتين سيجد موقفا غريبا، أشرنا إليه إشارة سريعة في السطور السابقة، ولكن تؤكده قصة "حارة اليهود" تأكيدا باهرا وهو موقف رجال الشرطة من الأحداث. فمن خلال محتوى رمزي يشير المؤلف في القصة الأولى إلى أن أسراب السمان المهاجرة إلى الإسكندرية اكتفت بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها. ولم يشر المؤلف إلى أنه كانت هناك مقاومة من أي نوع، من جانب مأمور النقطة أو معاونيه، بل أنها أفرزت ـ من بين أسرابها ـ كل ما تحتاجه من جنود وعلماء وحرفيين وموظفين. وبالتأكيد كل هذا كان يتم تحت أعين رجال الشرطة في المنطقة. أما في القصة الثانية وبعد نجاح أسراب السمان في بناء حياتهم، وانتقال أحداث القص إلى القاهرة، فإن مأمور قسم الجمالية ـ صبحي أفندي منصور ـ لا يستطيع أن يفعل شيئا تجاههم، بل أنه أسرَّ إلى جعلص بأنهم يلقون عليه الوسخ من النوافذ وهو في بدلته الميري. ولنقتطع جزءا من الحوار الذي دار بين محمد جعلص والمأمور عندما ذهب جعلص يشكو للرجل ما حدث بين صغار اليهود وابنه علي:
(أذهله صبحي أفندي منصور، مأمور قسم الجمالية، عندما كلمه فيما حدث. أشار الرجل إلى كتفه، وقال في أسى واضح:
ـ ماذا تقول في إلقائهم الوسخ من نافذة، على مأمور القسم؟
غالب الدهشة: ـ كيف ؟
قال المأمور: كنت أختصر الطريق من الموسكي إلى القسم ..
(جعلص) في عدم تصديق: ربما لم يعرفوا من أنت؟
قال المأمور: والبدلة الميري ؟
ـ لعل الوسخ ألقي عفوا أو خطأ ؟
ـ والضحكات التالية لما حدث من المطلين في النوافذ والجالسين أمام الدكاكين ؟
(جعلص) وهو يضرب جبهته بقبضة يده: هذه مصيبة !
دلك المأمور بإصبعيه تحت أنفه: تكررت المصائب كثيرا في الفترة الأخيرة.
ـ هل تأذن لي في التصرف؟
قال الرجل وهو يعاني: أنا موظف رسمي .. أحتاج إلى التدقيق والإثبات ومراعاة الحساسيات .. أما أنت .. وعلا صوته: تصرف يا جعلص.
ترى لو تنبه رجال نقطة الأنفوشي إلى وجود السمانة الأولى، وإلى خلو الصاري المرتفع بسراي رأس التين من العلم، هل كان الأمر يصل في الجمالية إلى ما وصل إليه، وأوردناه منذ قليل.
إن فشل مقاومة الحملة الفرنسية في الإسكندرية، أدى إلى دخول نابليون الأزهر بخيوله، وفشل مقاومة الإنجليز في الإسكندرية، أدى إلى احتلال البلاد لمدة 72 عاما. وعدم طرد أول سمانة ألقت نظرتها المتأملة على مباني سراي رأس التين، شر طردة، أدى إلى إفلاس محمد جعلص (رمز المواطنين) ، وإهانة صبحي أفندي منصور مأمور قسم الجمالية (رمز السلطة المصرية) على هذا النحو الذي صوره محمد جبريل ببراعة في قصة "حارة اليهود".
وربما يعود السبب في عدم طرد أول سمانة ظهرت في الآفاق وحطت على الصاري المرتفع، إلى ما عرف علميا عن السمان، فهو ـ حسبما جاء بموسوعة الحيوان الإلكترونية / قسم الطيور ـ طائر نادرا ما يراه الناس، وتشبه الأنثى الذكر في الحجم، ويفضل عند الفرار أن يجري وسط المزارع أكثر من الطيران، ويطير لمسافات طويلة جدا أثناء الهجرة، ويعيش في أوربا وآسيا، ويهاجر شتاءً إلى منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، ويوجد غالبا في المناطق العشبية والحقول.
هنا تبرز خصيصة أخرى من خصائص فن القص عند محمد جبريل، سبق أن ألمحنا إليها، وهي: توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة. ومن خلال المعلومات العلمية السابقة عن طائر السمان، نجد أن جبريل يبدأ قصته "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي" بقوله: "بعد أن استقرت السمانة فوق الصاري"، وهنا يتحدث عن طائر السمان بأسلوب المؤنث، حيث لا يوجد فرق كبير بين الأنثى والذكر، وخاصة في الحجم، ولأن الصاري مرتفع فلم يبن على وجه اليقين أهو ذكر أم أنثى، وهو من خلال هذا العلو الشاهق لم يتبين منطقة الحنجرة التي تكون في الأنثى وردية اللون، ولعل استخدام الأنثى كمستطلعة في بداية القصة ثم مرشدة، يشير إلى أسلوب من أشهر أساليب اليهود في استخدام أو استعمال الأنثى أو المرأة في تعاملاتهم الحياتية (ومنها الدعارة على سبيل المثال). ثم إن هذه السمانة ألقت نظرة على الحديقة الواسعة برأس التين، وهو ما يتفق علميا مع أماكن وجود السمان في المناطق العشبية والحقول. ثم تفضيله لمنطقة البحر المتوسط في الشتاء، وها نحن الآن ـ أي في زمن القصة ـ في فصل الخريف، والشتاء على الأبواب.
لقد نجح محمد جبريل في هاتين القصتين في تضفير الواقعي بالرمزي، وفي الانطلاق من الرمزي إلى الواقعي، أو العكس، وهو كذلك في معظم أعماله الإبداعية بحيث يكسب القصة العربية القصيرة طعما مميزا، ووعيا متجذرا بالذات والموضوع. فتتحول الذات المنفعلة (محمد جعلص على سبيل المثال) إلى موضوع يكسبه دلالة واقعية وتاريخية على مر العصور.
أحمد فضل شبلول
الإسكندرية 15/6/2000







  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 02:10 AM   رقم المشاركة : 3
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

كيف تُكتب الرواية الجديدة؟

بقلم: محمد جبريل
...................

كانت المعادلة الصعبة التي طرحت نفسها في البداية. هي أن أكتب ما أطمئن إليه. وأن يطمئن القاريء إلي قيمة ما أكتب. وبالتحديد. فقد كنت أحب أن أضع القصة في الإطار الذي أتصوره في عصرنا مناسباً لها. وليس في إطار السلفية الثابتة. ولم يكن التجديد لمجرد التجديد هو هدفي في الحقيقة. بقدر ما كان يصدر عن نظرة يقينية أن دائرة الفنون الخلاقة مكتملة. وأن الأسلوب الذي يعالج به الفنان لوحة. ربما يفيد منه كاتب القصة القصيرة. والوسائل التكنيكية التي يلجأ إليها كاتب السيناريو السينمائي قد تحقق التأثير ذاته في رؤية أدبية. والهارموني الذي يحرص عليه المؤلف الموسيقي هو ما يحقق للقصيدة الشعرية وحدتها العضوية. ولفرجينيا وولف مقولة شهيرة "في ديسمبر 1910. أو حوالي هذا التاريخ. تغيرات الطبيعة الإنسانية". وكانت فرجينيا وولف تقصد بتغير الطبيعة الإنسانية. تغير المعرفة بالطبيعة الإنسانية. أما التاريخ الذي كان بداية لذلك التغير. فهو تاريخ إقامة معرض للرسامين بعد الانطباعون في لندن. عرضت فيه أعمال لسيزان وفان جوخ وماتيس وبيكاسو. كانت تمثل ثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والتي تقف في موازاة المدرسة الطبيعية في الرواية "حددت فرجينيا وولف تاريخ الثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والطبيعية في الرواية. بأنه ديسمبر .1910 مع ذلك. فإن محاولات نجيب محفوظ في الأربعينيات من القرن العشرين جاءت أشبه بثورة في دنيا الرواية العربية!". بلغ يقيني بصلة الفنون بعضها ببعض. وضرورة تأثر كل فن بالفنون الأخري. أني رفضت "قد" في رأي سارتر بأن الفنون في عصر واحد قد تتبادل التأثير فيما بينها. ذلك لأني كنت أومن ومازلت بضرورة إن لم يكن بحتمية ذلك التأثر والتأثير الذي تتبادله فنون العصر الواحد. وطبيعي أن الرفض ينسحب علي قول ميشيل بوتور بأن الرواية الجديدة انتهت "ومهمتها كانت إزالة الحواجز بين الفنون". إنه رأي متناقض وغير منسجم. لأن إزالة الحواجز بين الفنون ليست عملاً طارئاً. ولا وقتياً. ولا تعبيراً عن مودة موسمية. إن الأدب علي نحو ما محور لبقية الفنون. نقطة جذب واتصال. إيقاع المفردات والتعبيرات يتسلل إلي الأذن. فيحمل طبيعة الموسيقي. ويطالع العين. فيحمل طبيعة الفن التشكيلي. وقد استطاعت الرواية عندما لجأت إلي فنيات الإبداعات الأخري أن تغادر عنق الزجاجة. تجاوز الاستاتيكية إلي ديناميكية متجددة. تستوعب الإبداعات الأخري. وتسيطر وربما تفوقت عليها.
الرواية هي أشد الأجناس الأدبية قدرة علي احتواء بقية الأجناس من قصة وشعر وحوار درامي. وهي الأشد قدرة علي استيعاب الفنون الأخري من مسرح وسينما وموسيقي وفن تشكيلي إلخ. بل إنها الأشد قدرة علي احتواء الموروث الشعبي والأسطورة والاجتهاد الفلسفي والمشكلة الاجتماعية والواقعة التاريخية والتحليل النفسي. بحيث تتشكل من ذلك كله أو بعضه ضفيرة العمل الروائي.
أخيراً. فإن الرواية هي الأشد قدرة علي احتواء الإنسانيات في اطلاقها. واستيعابها لصالح بنائها المضموني والشكلي. بما يجعل من الرواية فناً يعني بالتواصل والمعرفة معاً.
تعبير الرواية الجديدة يستفز التأمل. ذلك لأنه سوف تولد دائماً رواية جديدة. إلي جانب أن الرواية الجديدة لاتعني اتجاهاً محدداً لكل الأدباء. فاتجاه ميشيل بوتور مثلاً يختلف عن اتجاه ناتالي ساروت وآلان روب جرييه. واتجاه جرييه يختلف عن اتجاه ساروت وبوتور إلخ. ولعلي أوافق جرييه علي قوله بأن تعبير الرواية الجديدة ليس دلالة علي مدرسة بل ولا جماعة معينة من كتاب يعملون بطريقة واحدة. وإنما هي تسمية مناسبة تشمل كل من يبحثون عن أشكال جديدة للرواية. قادرة علي التعبير عن علاقات جديدة. أو علي خلق هذه العلاقات بين الإنسان والعالم.
كانت الرواية جديدة دائماً. وينبغي أن تظل كذلك. حقق جدة الرواية كل في زمانه جوجول وبلزاك وتورجنيف وفلوبير وزولا وديكنز وديستويفسكي وبروست وفرجينيا وولف وكافكا وجويس وهمنجواي ومحفوظ وعشرات غيرهم.







  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 02:10 AM   رقم المشاركة : 4
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

الجماعية في الأداء

بقلم:محمد جبريل
...................

الجماعية فى الأداء شرط مهم لتحقيق النجاح في أي عمل ينسب إلى الجماعة . بديهية يتناساها البعض لمجرد أن يكون هو وحده فى الصورة ، لمجرد أن يصبح نجماً ، يتحول زملاؤه من حوله إلى كومبارس أو ظلال.
يتسلم لاعب الهجوم فى فريق كرة القدم كرته من لاعب خط الظهر ، أو من لاعب خط الوسط . هو ـ كما ترى ـ لم يلتقطها من السماء ، أو أنه وجدها ملقاة فى جانب الملعب .
يتقدم اللاعب بالكرة فى اتجاه المرمى ، يلاحقه من فريقه لاعبان أو ثلاثة .
حسب قواعد لعبة البلياردو، فإن على اللاعب أن يمرر الكرة من موضعه فى الجانب إلى زميل يواجه المرمى الذي قد يكون خالياً، لكنه يفضل ـ فى أنانية عقيمة ـ أن يشوط الكرة فى الدفاع المتكتل ناحيته، أو فى حارس المرمى، أو يشوطها خارج الملعب. ويواجه اللاعب نظرات زملائه المؤنبة باعتذار لا معنى له، فقد ضيع على فريقه هدفاً، ربما كفل له الفوز!
فى اجتماعات هيئة ثقافية مسئولة، طرح زميل اقتراحاً، وافق عليه الأعضاء، وقرروا تبنيه. لكن الزميل ما لبث أن سحب اقتراحه.
سألته بيني وبينه: لماذا ؟.
قال فى بساطة مذهلة : أخشى ألا ينسب الاقتراح لي!
ظل الاقتراح مشروعاً مؤجلاً، مع أنه ـ فيما أذكر ـ كان يمثل إضافة إلى حياتنا الثقافية ، لا لسبب إلا لأن مقدم الاقتراح رفض الجماعية، وخشي أن يدخل معه فى الخط آخرون يشاركونه النجومية !. وللأسف فقد نسى الأعضاء اقتراح الزميل ـ أو تناسوه ـ فلم ير النور!
العمل الجماعي يعنى أنه من صنع الجماعة، هي التي تدرس وتخطط وتنفذ وتجنى الثمار ، أو تهب الثمار للمجتمع كله. إذا تصرف كل فرد فى حدود إحساسه بالفردية، فإنه يمتنع عن وضع طوبة فى البناء الذى يسكنه الجميع، أو يصنع ثقباً فى السفينة التي تقل الجميع!
عشنا أمثلة رائعة ونبيلة فى المعنى الذي يضحى ليس بالفردية فحسب، وإنما بالحياة من أجل أن تنتصر الجماعة؛ أن ينتصر الوطن: الجندي الذي وضع جسده على الأسلاك الشائكة، ليعبر زملاؤه من فوق جسده إلى معسكر العدو. لم يتوقع إشادة من أي نوع، ولا على أي مستوى. كل ما شغله أن يجعل من جسده معبراً لزملائه نحو النصر.
إذا تدخلت الفردية فى العمل الجماعى ، فإنها تسيء إلى الفرد ، وإلى الجماعة فى الوقت نفسه .
وحتى أكون محدداً ، فإن الظاهرة السلبية موجودة فى معظم ـ إن لم يكن كل ـ هيئاتنا الثقافية ، سواء كانت أهلية النشاط ، أم تابعة للدولة . واٍسألوا لجان المجلس الأعلى للثقافة وأقسام الجامعات واتحاد الكتاب ونادى القصة ورابطة الأدب الحديث التى يذكرنى سكرتيرها العام صديقنا الشاعر محمد على عبد العال بإمام اليمن الأسبق عندما كان يحتفظ بمفاتيح مؤسسات اليمن السعيد فى جيبه ، والقائمة طويلة !







  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 02:11 AM   رقم المشاركة : 5
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

رؤية في عالم جبريل القصصي
بقلم: حسني سيد لبيب

تتجه معظم كتابات محمد جبريل القصصية والروائية إلى البحر. ونستطيع القول إنه يغمس ريشته في مداد البحر الصاخب، كما يمكننا القول إن جماليات القصة القصيرة عنده تتطلع إلى البحر في مده وجزره. وعلى سبيل المثال يمكننا القول إن قصة "أفق البحر" (*) . تمثل القصة النموذج التي يتجه فيها إلى الوصف، وصف المكان، والارتداد إلى الماضي القديم. ومن جمالياتها أيضا حديثه إلى القارئ عن صمت البنايات، وواجهة المدينة، وارتفاع طوابق العمائر، بحيث يسد على البحر أفقه المترامي الواسع. وفي القصة رغبة حارة في دخول المدينة من أي طرف من أطرافها، من أي زاوية من زواياها، وراوي القصة، وهو يتطلع إلى دخول المدينة، يلحظ تغيرها عن ماضيها، ويقف عند البوابة من يحول بينه وبين دخولها. حيث يمنعه هذا الشرطي ـ أيا كانت صفته ـ ما لم يكن معه تصريح أو إذن بالدخول. هنا المدينة أسيرة، محاصرة، وساكنوها أسرى المكان المغلق. تلعب المحاورة والمداورة بعدا جماليا آخر، يساعده في ذلك أسلوب متميز هادئ، أسلوب كاتب يتقن أداته الفنية ويتميز بالأناة والدربة. كما يمكننا القول ـ إن الكاتب ـ ربما ـ يقصد اغتيال مدينة تحت الحصار. أيا كانت التفسيرات، فإن القصة تتحمل شتى الوجوه، وهذا سر روعتها.
ـــــــــــــــــــــــــ
قصة "أفق البحر لمحمد جبريل" ـ جريدة الأهرام 26 مارس 2010م







  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 02:46 PM   رقم المشاركة : 6
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية سمير عودة






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سمير عودة غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 مجبولة بالحزن
0 الليل دونك
0 نار الوحدة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

د.حسين علي محمد
جزيل الشكر والامتنان لك على هذه المعلومات القيمة والمهمة للكتاب والباحثين
يجدر بي أن أثبت هذه المواضيع الهامة لنقرأها أكثر من مرة
تحياتي واحترامي













التوقيع

نحنُ يا سيدتي
ندّانِ...
لا ينفصلان

https://msameer63hotmailcom.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 06:36 PM   رقم المشاركة : 7
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سمير نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
   د.حسين علي محمد
جزيل الشكر والامتنان لك على هذه المعلومات القيمة والمهمة للكتاب والباحثين
يجدر بي أن أثبت هذه المواضيع الهامة لنقرأها أكثر من مرة
تحياتي واحترامي

ُشُكراً جزسلاً على التهليق الجميل،
وعلى تثبيت الموضوع،
مع تحياتي.






  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2010, 06:40 PM   رقم المشاركة : 8
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

أفق البحر

قصة قصيرة، بقلم: بقلم محمد جبريل
.......................................
أخلي وجهه للذهول‏,‏ حين قال الضابط أمام البوابة الحديدية المواربة‏:‏ ـ لم يعد الدخول متاحا إلا لأبناء المدينة؟ فرك عينيه‏,‏ وفتحهما‏,‏ يحاول استيعاب المعني‏:‏ ـ أنا من الإسكندرية‏..‏ ما تمنعني من دخوله ميناءها الشرقي‏.‏ ـ ذلك زمن ماضي‏,‏ هو الآن مدينة تقتصر علي ناسها‏!‏
هل جففت الأرض‏,‏ وتراجع البحر‏,‏ لتفصل المينا الشرقية عن المدينة بالفعل؟ هل صارت مساحة المياه الهائلة‏,‏ بعد أن تحولت إلي بنايات وشوارع وميادين وحدائق‏,‏ محرمة عليه؟ لا يملك حتي أن يطل علي الحدود المائية ما بين قلعة قايتباي ولسان السلسلة؟
اعتاد في كل صباح أن يفتح النافذة المطلة علي البحر‏,‏ يدخل الضوء وامتزاج رائحة الملح واليود والأعشاب‏,‏ وما يتناثر في امتداد الأفق من فلايك وبلانسات وصيادين‏.‏ يعبر الطريق إلي الكورنيش الحجري‏,‏ تتغير ألوان الموج ما بين زرقة السماء‏,‏ والسمرة الداكنة بخيمة السحب المتكاثفة‏.‏ في أسفل يرتطم رذاذ الموج بالمصدات الأسمنتية‏,‏ إذا كان الوقت شتاء فإن الرذاذ يعلو‏,‏ يتحول إلي قطرات غزيرة تغرق ملابسه‏,‏ فلا يغيب إحساسه بالنشوة‏.‏
لم يدر بباله ولا تخيل أن المشهد الذي اعتاده يختفي‏,‏ يحل بدلا منه مشهد آخر تماما‏,‏ تحده المسافة نفسها‏.‏
صحا علي اختفاء الكورنيش الحجري والأمواج والبلانسات والقوارب والمصدات الأسمنتية‏,‏ وصيادي الجرافة‏,‏ والطراحة والسنارة‏,‏ وعسكري السواحل‏,‏ اختفت المياه‏,‏ وافترشت الشمس مساحة الأرض الخالية من الظلال‏.‏ انبثقت كحلم مساحات جفت مياهها‏,‏ في المسافة بين السلسلة وقايتباي‏.‏ نصف الدائرة انتقل إلي الناحية المقابلة في نصف دائرة معكوسة‏.‏
أهمل زيادة اللوردات والأوناش والرافعات‏,‏ وإلقاء مكعبات الأسمنت‏,‏ والردم‏,‏ فسر ما حدث بأنه لحماية المينا الشرقية من تأثرات النحر والنوات‏.‏ لم يتصور أن ينتهي ذلك كله إلي الأرض الواسعة‏,‏ المنبسطة‏.‏
أذهله موت البحر والأمواج‏,‏ كأن الرمال امتدت من الشاطئ فغطت البحر تماما‏,‏ واختفي الموج‏,‏ لم يعد ما يشي بالحياة في المساحة الواسعة‏.‏ النافذة لا تطل علي المينا الشرقية‏,‏ ولا يترامي أمام البيت سوي اختلاط الرمال والحصي وقطع الحجارة‏.‏ البحر مجرد تصور في نهاية الأفق‏,‏ وإن ظل في سمعه صوت اصطخاب الموج‏,‏ وتكسره علي مكعبات الأسمنت والكورنيش الحجري‏.‏
قرأ في الجريدة أن الأرض الرملية ستتحول إلي حي جديد‏,‏ حاول تصور ماذا ستكون عليه البنايات والشوارع والميادين والبوابات‏,‏ وما إذا كان الناس الذين سيقيمون فيها من أهل الإسكندرية‏,‏ أم يفدون إليها من مدن أخري؟
روي أبوه عن انتقاله من داخل المدينة إلي الشقة المطلة علي البحر‏,‏ لم يكن الكورنيش الحجري قد أنشئ‏,‏ ولا وضعت المصدات الأسمنتية في داخله‏.‏ كانت الأمواج تبسط مدها دون تكسر علي ما يعيق تقدمها‏.‏ البيوت والأكواخ والأكشاك في مقدمة بنايات المدينة‏,‏ علي حافة الشاطئ مباشرة‏,‏ تمتد أمامها المساحة بين الشاطئ والداخل‏.‏ يبتعد الناس عن الشاطئ بقدر توقعهم للخطر‏,‏ ليس في أيام الموج المصيرة‏,‏ وإنما في أيام النوات‏,‏ تلامسها الأمواج في الشتاء‏,‏ تقتحمها‏,‏ تتحول إلي نوات قاسية‏,‏ يرتفع مستوي سطح البحر‏,‏ وترتفع الأمواج‏,‏ تكتسح الناحية المقابلة‏,‏ تجرف ما تناثر أمام الشاطئ من الأكواخ والكبائن والبيوت الصغيرة‏,‏ في المواجهة المقابلة للشاطئ تخلفها وراءها‏,‏ ربما امتدت إلي البنايات العالية في داخل المدينة‏,‏ تعلو الأبواب وأسفل الجدران‏,‏ قد تقتحم الدكاكين والطوابق الأرضية‏,‏ وتهبط إلي البدرومات‏.‏ يلجأ السكان إلي الأحياء البعيدة‏,‏ أو ينشغلون بمنع تأثيرات المياه‏,‏ إن ثارت النوات كنست أمامها كل شيء‏,‏ ربما تهدمت البيوت‏,‏ وعامت قطع الأثاث فوق الأمواج‏.‏
شكل الكورنيش الحجري مصدات تمنع الأمواج من اجتياح بيوت الصيادين في مواجهة الشاطئ الرملي‏.‏ عرف سكان البيوت في قلب المدينة أن خطر مد الأمواج قد زال‏,‏ وأن الكورنيش الحجري يحصر المياه في داخل المينا الشرقية‏.‏ تبدلت الأوضاع‏,‏ شيدت البنايات ذات الطوابق الأربعة‏,‏ علي امتداد نصف الدائرة المحيط بالبحر‏,‏ حتي لا تحجب الرؤية عن أربعة طوابق‏.‏ القدرة علي رؤية البحر من أي موضع مسألة مهمة‏,‏ لا يقتصر أفقه علي المطلين من البنايات المواجهة‏.‏ سكنت فيها عائلات فرت من مد الأمواج إلي الداخل‏.‏ انتقلت بيوت وأكواخ الصيادين إلي بيوت في السيالة والأنفوشي ورأس التين‏,‏ وإلي أحياء المدينة البعيدة عن البحر‏.‏
أول ما يذكره من الكورنيش حين طلب الرجل ذو البدلة الكاملة والطربوش‏,‏ وفي يده قلم الحبر ودفتر الإيصالات‏,‏ علي تقاضي نسبة الاثنين في المائة‏,‏ نطقها المية اتنين‏,‏ قال أبوه وهو يدفع المبلغ‏:‏
ـ أنشئ الكورنيش منذ سنين بعيدة‏..‏ لماذا تصرون علي تحصيل هذه النسبة؟‏!‏
اكتفي الرجل بهزة رأس خالية من المعني‏.‏
كانت فرصة الاختيار متاحة أمام أبيه لاستئجار الشقة المطلة علي البحر‏.‏ لم يكن التمليك قد عرف طريقه إلي الشقق‏.‏ استقر علي الطابق الثاني‏,‏ فلا يكون في مستوي الطريق‏,‏ ولا يتعبه السلم إن تقدمت به السن‏,‏ علي ناصيتين‏,‏ فلا تكون مخنوقة‏,‏ تضاعف الإيجار عبر السنين لكنه ظل معقولا‏.‏
تلاشت صور الإسكندرية‏..‏ المدينة الداخلية‏.‏ تبدلت صورة البحر الذي يحيط بها‏,‏ ويبتعد إلي مسافة بعيدة عن صف البنايات الممتد علي طريق الكورنيش‏.‏
لم يعد الكورنيش الحجري فاصلا بين المينا الشرقية وامتداد البنايات أمامها‏.‏ ردمت مساحة المياه‏,‏ فاختفي الفاصل‏.‏ هو لا يطل من الكورنيش الحجري علي المشاهد بين السلسلة وقلعة قايتباي‏:‏ البلانسات‏,‏ والقوارب‏,‏ والأمواج‏,‏ وصيادي السنارة والطراحة والجرافة‏,‏ والمارة‏,‏ والجالسين علي المقاعد الرخامية‏,‏ وباعة الفشار والآيس كريم‏.‏
جفت الأرض تماما‏,‏ عدا حفر متناثرة امتلأت بالأسماك الميتة‏.‏ اتجهت الأسماك إلي ما بعد الشاطئ الجديد إلي قلب البحر‏,‏ ومات الكثير منها فوق الأرض المختلطة بالرمال والمياه‏.‏ أهمل التصريحات التي ناقشت إن كانت الآثار الغارقة قد رفعت‏,‏ أم ظلت في أماكنها‏:‏ ما شغله هي المساحة بين قلعة قايتباي والسلسلة‏,‏ وعمقها في البحر‏,‏ وفي البنايات التي كانت تطل عليه‏,‏ في الصورة التي ألفها‏,‏ المدينة التي ألف ملامحها‏,‏ وإن تابع من الصحف وكلام الناس‏,‏ وبمشاهدة ما يحدث‏,‏ عمليات التنقيب في المينا الشرقية‏.‏ الرافعات والغواصون والخرائط والقطع الأثرية داخل الأعماق‏,‏ جزيرة أنتي رودس‏,‏ المدينة الملكية‏,‏ قصر كليوباترة‏,‏ قصر تأملات مارك أنطونيو‏,‏ القصور الغارقة الأخري‏,‏ أعمدة الرخام والجرانيت‏,‏ تمثال إيزيس‏,‏ وتماثيل علي هيئة أبو الهول‏,‏ تماثيل صغيرة من الذهب‏,‏ قواعد التماثيل ذات النقوش والكتابات اليونانية‏,‏ أدوات مائدة طعمت بالأحجار الثمينة‏,‏ كؤوس ذات زخارف نباتية‏,‏ أوان محلاة بالفسيفساء‏,‏ أقنعة‏,‏ حلي‏,‏ مباخر‏,‏ شمعدانات‏.‏
غابت الملامح‏,‏ لم تعد الأمكنة إلي ما ألفه الناس‏:‏ البيوت بامتداد طريق الكورنيش والكازيونهات والمحال الكبري‏,‏ ومرسي القوارب‏,‏ والسور الحجري بين السلسلة والقايتباي‏.‏ ما كان يمثل طرف الساحل صار جزءا من إسكندرية الداخل‏,‏ هو مثل كرموز وغربال والباب الجديد والقباري وكفر عشري والورديان ومحرم بك وغيرها من الأحياء في داخل الإسكندرية‏.‏
صار من غير المتاح أن يستغرق في مشاهدة اتساع مشهد البحر إلي نهاية الأفق‏.‏ الأفق هو شاطئ البحر‏.‏ ظلت أسراب الطير تحلق‏,‏ وإن لاحظ اختفاء طيور النورس‏,‏ يميزها من لونها الأبيض وصيحاتها‏.‏
لم يتصور تلاشي مساحة المياه‏,‏ المكملة لاستدارة المدينة‏.‏ صارت امتدادا لأرض المدينة‏.‏ في باله أن خللا ما‏,‏ تحولا ما فرض طبيعته علي المدينة كلها‏.‏ الأحياء والميادين والحدائق والشوارع والأرصفة واللافتات وعلامات المرور وأسلاك الفضائيات‏..‏ الأماكن التي اعتاد الناس الحياة فيها‏,‏ التنقل بينها‏,‏ دون أن يحدقوا أو يدققوا النظر‏.‏ يطمئنون إلي إحساس الألفة‏.‏ بدت علي غير ما كانت عليه قبل أن تغيب المينا الشرقية‏.‏ لا يقتصر التغير علي المنطقة ما بين البحر والمنطقة المطلة عليه‏,‏ لكنه يجده في المساجد والمقاهي ودور السينما‏,‏ حتي الكازينوهات التي مثلت واجهة للمدينة‏,‏ قبالة البحر‏,‏ تغيرت نظرته إليها‏,‏ حتي الأسماء التي تشحب بملامسة البحر تبدل شعوره أمامها‏.‏
لم تعد كل الشوارع تفضي إلي البحر‏.‏ بدل اقتطاع مساحات المياه من التصرفات المألوفة والتوقعات‏.‏ تصطدم نظراته بالبنايات في المساحة البديلة‏,‏ يري البحر بالتخيل‏,‏ وأنه هناك وراء الأفق الجديد‏.‏
تناسي التحرك العفوي في اتجاه البحر‏.‏ غابت الملامح التي يدركها دون أن يراها‏:‏ البنايات‏,‏ التقاطعات‏,‏ المفارق‏,‏ إشارات المرور‏,‏ العلامات الضوئية‏,‏ اللافتات‏,‏ الشورع المتقاطعة‏,‏ والتي لا نهاية لها‏,‏ عربات الترام والباصات والسيارات‏,‏ وعربات الحنطور‏,‏ وعربات الكارو‏,‏ ومحطات البنزين‏,‏ والباعة‏,‏ وزحام المارة‏,‏ لم يعد الناس يتجهون إلي البحر لرؤيته‏,‏ بدا البحر أفقا غائبا‏,‏ يبتعد عن مدي النظر‏.‏
بدل سيره كل صباح إلي الشاطبي والعودة‏.‏ يمضي علي رصيف البنايات التي كانت تطل علي البحر قبل أن يبتعد‏,‏ يتجه عند ورش القزف إلي الناحية المقابلة‏.‏ يسير بخطوات متسارعة إلي قرب رأس التين‏,‏ ويعود‏.‏ البحر هو ما يريد السير إلي جواره‏.‏
داخله اطمئنان أن طريق الكورنيش من الشاطبي إلي مرسي القوارب لن يفقد قيمته‏.‏ كل الشوارع داخل المدينة تصب فيه‏.‏ حين تشيد البنايات في موضع ما كان المينا الشرقية‏,‏ فإن الشوارع التي تتخللها ستشكل‏,‏ علي نحو ما‏,‏ امتدادا للشوارع المتفرعة من طريق الكورنيش‏.‏
ظهرت في مساحة الأرض بنايات وميادين وشوارع وساحات وحدائق تحيط بها‏,‏ وتتوسطها شجيرات صغيرة‏,‏ مقلمة‏,‏ علي هيئة دوائر ومربعات ومثلثات‏,‏ وممرات يغطيها الحصباء الملون‏.‏عادت الظلال بارتفاع الأسوار‏,‏ وتوالي إقامة البنايات‏:‏ عمارات عالية‏,‏ وذات طابقين أو ثلاثة‏,‏ وفيلات‏.‏ تمازجت أشعة الشمس بالظلال في الشوارع الممتدة‏,‏ والمتقاطعة‏,‏ وفي الزوايا والأركان‏.‏
صعد إلي سطح البيت حاول تبين ما وراء الأسوار العالية‏,‏ والأشجار الكثيفة‏.‏ التقطت عيناه بالكاد ما يشبه الأجزاء المتناثرة من البنايات والواجهات ومساحات الخضرة‏,‏ صممت الإنشاءات‏,‏ وما يحيط بها فيصعب رؤيتها حتي علي قاطني الطوابق العالية في عمائر الكورنيش‏.‏
ترامت عبر النافذة نسمات باردة‏,‏ تحمل رائحة ورود‏,‏ تختلف عما اعتاده أنفه من اختلاط روائح الملح واليود والطحالب والأعشاب‏.‏ حدس أن الرائحة الجديدة من الحدائق في مساحة الأرض التي غطتها الإنشاءات‏.‏ حاول النفاذ بنظرته بين ما أتيح له رؤيته من البنايات أول مساحة الأرض‏,‏ يبحث عن أماكن الحدائق التي يتضوع الجو برائحة ورودها‏.‏
صار كل شيء جميلا بما لا يتصوره‏,‏ أهمل حتي السؤال عن الآثار التي كانت في قاع البحر وهل طمرت‏,‏ أم رفعت من مواضعها؟
تحولت المدينة إلي حيين‏,‏ قسمين‏,‏ مدينتين‏,‏ الإسكندرية التي يعرفها‏,‏ ومدينة أخري تأتي أخبارها دون أن يتاح له رؤية الكثير مما تضمه‏.‏
يرنو من فوق السطح إلي الجهة التي اعتاد أن يشاهد منها نصف الدائرة الواسعة‏,‏ ما بين السلسلة والقلعة‏,‏ تراوح حركة الموج بين الهياج والحصيرة‏.‏ اختلف ما ألف مشاهدته‏.‏ أفق البحر إلي حيث تغيب الرؤية‏.‏ إلي اليسار خليج الأنفوشي‏,‏ حافته ورش القزف‏,‏ وتتناثر في مساحته بلانسات وقوارب صغيرة‏,‏ تنتهي إلي الجزيرة الصغيرة الصخرية‏,‏ وانحناءة الطريق إلي سراي رأس التين‏.‏ تتحول نظراته بالتعود إلي الميناء الغربية‏,‏ البواخر الضخمة والأرصفة والمخازن وشون الغلال والرافعات وبلوطات الأخشاب والأجولة وأحياء الإسكندرية البعيدة‏.‏ يشاهد الإعلانات المتوهجة بأنوار النيون فوق البنايات العالية بميدان محطة الرمل‏,‏ آخر رؤيتها مئذنة القائد إبراهيم‏,‏ وتصاعد قضبان المترو إلي مناطق الرمل‏.‏
لم يعد هذا هو المشهد الذي كان يتوقعه في صعوده إلي السطح‏.‏ كسرته الأبنية والإنشاءات في موضع المينا الشرقية‏.‏ اهتزت الصورة‏,‏ وربما تغيرت تماما‏.‏ حلت مشاهد لم يسبق له رؤيتها‏,‏ عرفها من الرؤية المباشرة‏,‏ ومن كتابات الصحف‏,‏ وبرامج الإذاعات‏,‏ وقنوات التليفزيون‏,‏ ومن روايات الذين أتيح لهم أن يترددوا علي المساحة الجديدة‏,‏ الهائلة‏,‏ المدينة التي بدأت ملامحها في الظهور‏,‏ مدينة كاملة لها مرافقها وبناياتها ومساجدها وحدائقها وملاعبها وملاهيها‏,‏ وقضبان الترام‏,‏ ومحطات البنزين‏,‏ والنافورات‏,‏ والأسبلة الرخامية‏.‏ حتي الشرطة صار لها مبناها المستقل‏,‏ روي أنه أضخم ما في المدينة‏,‏ تحفظ النظام وأمن السكان‏,‏ بما تضمه من أجهزة حديثة‏.‏
تبدو صورة ما سيحدث في امتداد المدينة شاحبة‏,‏ أو مشوشة‏.‏
أيقظه الضابط من ذهوله‏:‏
ـ لكي تدخل فلابد من تصريح‏!‏
التفت إلي الواقفين جواره‏.‏
ظلوا علي سكونهم وصمتهم‏,‏ وإن لاحظ في الأعين نظرات أقرب إلي الشرود‏,‏ أو إلي الأسي‏.‏ وثمة سحب متكاثفة إلي نهاية الأفق‏,‏ غطت السماء برمادية شاحبة‏,‏ وشطت بأمطار قريبة‏.‏
أعوزته الكلمات التي يعبر بها عما يعانيه‏,‏ فسكت‏.‏ أزمع بينه وبين نفسه أن يغلق فمه‏,‏ خشي إذا حرك شفتيه أن يقول ما يجر عليه مشكلات لا يريدها‏.‏
قبل أن يعود قال الضابط كالمتنبه‏:‏
ـ ما يدرينا أنك تطلب الدخول لفعل إجرامي؟
وعلا صوته بنبرة مهددة‏:‏
ـ حتي لو اضطررت للعودة فلابد من تفتيشك‏.‏
وأشار إلي الجنود بتعبيرات تعكس المعني‏.‏
أحاط به الجنود‏,‏ أخرجوا كل ما في ثوبه‏,‏ قلبوه‏,‏ تشمموه‏,‏ تحسسوا أجزاء جسده‏.‏
ظلت نظراته ثابتة إلي البوابة المزدحمة بالجنود‏,‏ وبالبنايات الممتدة وراءها‏,‏ وهو يغالب التعثر والحزن‏,‏ في خطواته الممتدة إلي داخل المدينة‏.‏
.............................................
*الأهرام ـ في 26/3/2010م.







  رد مع اقتباس
قديم 06-01-2010, 09:53 AM   رقم المشاركة : 9
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

من المحرر
النيل

بقلم: محمد جبريل
.....................

من حديث أنس في حديث المعراج. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "ثم رفعت الي سدرة المنتهي. فإذا نبقها مثل قلال هجر. وإذا ورقها مثل آذان الفيلة.
قلت : ما هذا ياجبريل؟
قال : هذا سدرة المنتهي.
واذا اربعة أنهار : نهران باطنان. ونهران ظاهران.
قلت : ماهذا ياجبريل؟
قال : أما الباطنان فنهران في الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات "خطط المقريزي -1/91".
لقد ظهرت الاراضي الخصبة في مصر مع نهر النيل. الذي حول طبيعة الارض في الوادي والدلتا من صخور رملية في الجنوب. وجيرية في الشمال الي تربة رسوبية بما يطرحه فوقها من طمي "يقول ابن فضل الله العمري : "ساقه الله تعالي الي مصر. وأحيا به بلدة ميتة. وسقاه امة عظمي. وان لم تكن هي المتفردة بنفعه فإنها كالمنفردة".
النيل من المنبع الي المصب يمر في تسع دول هي : بوروندي. رواندا. الكونغو الديمقراطية. تنزانيا. أوغندا. وكينيا.. اثيوبيا. السودان. ومصر واذا كانت مصر هبة النيل. فإن النيل هو الذي اختار موقع القاهرة عاصمة لمصر. ذلك لانه عند هذا الموقع يلتقي الوادي بالدلتا. الممتدة الي الشرق والغرب.
وثمة ظاهرة يجدر بنا التوقف امامها. وهي ان توالي الاديان والمذاهب والحكام علي مصر. لم يحل بين المصريين والاحتفال بوفاء النيل. ظل الاحتفال عادة ثابتة. متكررة. لا يكتفي الحاكم ايا يكن بقبولها. لكنه حتي ولو مسايرة لمشاعر الناس! كان يشارك فيها بحضوره الشخصي. أو بإنابة بعض وزرائه.
كان رصد المقياس يستبق دائما احتفال فتح الخليج. فإذا حل الوقت. ولم يصل النيل الي معدله المعتاد. صلي الحاكم ركعتين. وطالب القضاة بالابتهال الي الله حتي يفيض النهر بمياهه. فإذا وصل المنسوب الي معدله المطلوب. بدأت الاحتفالات. ويأمر الحاكم بكسر سد الخليج لتدخله مياه النيل.
النيل هو ترمومتر الحياة في الارض المصرية. يأتي الفيضان. يرتفع النيل. فيغرق ماعلي الضفتين. ويتلف المزروعات. وترتفع اسعار الغلال فإذا امتنع ورود الفيضان. وتناقصت مياه النيل. وتناقصت مياه الري بالتالي. فتجف المزروعات. ويقل الانتاج الزراعي. وترتفع الاسعار. وربما زادت الظروف من قسوتها فتنشر الجدب والموت والدمار.
لقد تعلم المصريون الكثير من النيل. كانت الزراعة بالطبع هي اول ماتعلموه اصبحوا بفضله اول مجتمع زراعي في تاريخ الجنس البشري. وتعلموا من اجل الزراعة الكتابة والحساب والهندسة والفلك وعلم قياس الارض. علمهم فيضان النيل ان السنة تتكون من 365 يوما وربع يوم وانها تنقسم كذلك الي فصول ذات خصائص ثابتة. يفيده في اختيار مواعيد الغرس والارواء والرعاية والحصاد ومياه النيل- منذ تخلق الحياة علي ضفتيه تمثل المصدر الرئيس لهذه الحياة. وفي المقابل فإن فيضانه في حالتي الزيادة او الشّْح يمثل خطرا مؤكدا. تنتشر المجاعات. ويعم الغلاء. وتتفشي الأوبئة.
النيل هو الذي علم المصريين الخوف من الفيضان. من حيث فيضانه الوافر. او تحاريقه التي تهلك. لذلك كانوا يسترضونه -كما تروي الاسطورة -بأغلي فتياتهم. والنيل وسيلة اساسية للمواصلات والتجارة بين المدن المصرية. والنيل كذلك مصدر حيوي لطعام المصريين. بما تشتمل عليه مياهه من اسماك. بل ان النيل علي امتداد العصور كان المتنفس شبه الوحيد لابناء المدن والقري المتصلة علي شاطئيه. "للكلام بقية".
...............................
*المساء ـ في 29/5/2010م.







  رد مع اقتباس
قديم 06-01-2010, 09:54 AM   رقم المشاركة : 10
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

من المحرر:
بحــــــــــــــــري

بقلم: محمد جبريل
.....................

* عندما أكون خارج مصر. فإن الحنين يدفعني إلي استحضار الملامح المألوفة. واللهجة. إلي الحياة فيها ومعها. تذكر التفصيلات الصغيرة. والتافهة. ضغطة الزر في اللهجات المصرية. وصوت الناي. وتلاوة محمد رفعت وأبو العينين شعيشع. وغناء أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وبدارة وعزت عوض الله. ورقصات سيد حلال عليه. ولوحات محمود سعيد. وروايات نجيب محفوظ. وقراءات فاروق شوشة في الإذاعة. والأفلام المصرية في التليفزيون.
وثمة الإسكندرية. إنها - عندي - ليست مطلقة. بل تتحد في ذكريات شخصية وأماكن وبشر. بالتحديد حي بحري. ناسه ومساجده وميادينه وأسواقه وشوارعه وأزقته وتميز الحياة فيه. الإسكندرية في داخلي أينما ذهبت. وإن كنت أنتمي - بمشاعري وذكرياتي - إلي بحري. إلي تلك المنطقة التي تبدأ من ميدان المنشية. وتنتهي في سراي رأس التين. أو العكس. أشرت في "مد الموج" إلي النسائم المحملة بروائح الملح واليود والأعشاب والطحالب. تلامس أنفي في مكان ما. في لحظة ما. علي شاطيء الأطلسي. خور فكان. شاطيء الكورنيش بمطروح. فوق تلال الجزائر. حي البوسعيد التونسي.. أستعيد الرائحة نفسها. علي شاطيء الكورنيش. في المينا الشرقية. أو في الأنفوشي. يغلبني الشوق إلي ملء رئتي من هواء بحري. تصنعه تيارات من البحر الذي يحيط بمعظم جوانبه.
وصف إدوار الخراط سكندريتي بأنها بحري. ظني أن ما قاله ينطوي علي الحقيقة. فإذا كنت أنتسب - بالانتماء القومي - إلي الوطن العربي بتعدد أقطاره. وإذا كنت أنتسب - بالانتماء الوطني - إلي مصر بتعدد أقاليمها. فإني أنتسب إلي بحري. الموطن/ الوطن الذي صار في حياتي تجسيداً للإسكندرية.
سافرت إلي مدن كثيرة داخل مصر وخارجها. لكن وجداني لم يترك الإسكندرية - وبحري بخاصة - في أي وقت. أنا دائم الوجود فيه بالحنين والشوق واستعادة الذكريات والمقارنة والكتابة عن الوقائع والأماكن والشخصيات.
جغرافياً. قد أكون بعيداً عن بحري بمئات. أو آلاف. الكيلو مترات. لكنني أعيش في بحري. أسير في الشوارع والحواري والأزقة. أؤدي الصلوات في المساجد. أذاكر في صحن أبي العباس. أشاهد الموالد. أزور الأضرحة والمقامات. وأقرأ الفاتحة. أندس وسط حلقات الذكر. أخترق زحام شارع الميدان. أقف علي شاطيء البحر. أتابع عمليات صيد السنارة والطراحة والجرافة. أتردد علي ورش القزق. أتابع تحليق الطائرات الورقية الملونة. أمد النظر إلي نهاية الأفق. مع كثرة ما استمعت إلي صياح الديكة في مواضع من العالم. فإن ترامي الصوت ينقلني إلي بحري. بالتحديد إلي حجرة نومي في الشقة المطلة علي ثلاثة شوارع. يؤنسني صياح الديكة. وتسبيحات ما قبل صلاة الفجر. والأهازيج التي يعلو بها صوت ألفته. وإن لم أعرف صاحبه!
رغم انقضاء عشرات السنين علي رحيلي من بحري. فإني أصحو - في الكثير من الأيام - علي جلبة الطريق في ميدان الخمس فوانيس. ورائحة البحر. وأهازيج السحر. وجلوات الصوفية. وسوق العيد. ومواكب العرائس أسفل بيتنا. تختلط الذكريات والصور القديمة. أستغرق لحظات قبل أن أعود إلي الآني.
لباشلار مصطلح الطوبوفيليا پtopophilia. ومعناه محبة المكان ثمة علاقة خاصة تربطني بالكثير من الأماكن في بحري. أسواق وشوارع وجوامع وحدائق وأضرحة ومقامات. فضلاً عن البحر الذي يطل عليه بحري من جوانب ثلاثة.
وبالطبع. فإن بحري - عندي - ليس مجرد المكان. إنه النشأة والذكريات واختزان ما يتصل بالحنين. ما حاولت استعادته. وتوظيفه. في كتاباتي السردية. بحري هو مدينتي. هو المدينة التي اختزلها وجداني. يجاور أحياء أخري. أعبرها. لكن بحري - حتي لو ابتعدت عنه- يحيا في داخلي. حين أخترق الزحام في ميدان أبو العباس. أو في شوارع بحري. فإن إحساسي بالوحدة يزول. أشعر بانتمائي إلي الأمواج المحيطة بي. أنا قطرة تذوب في مياهه.
أي روح يكمن في بحري؟ ما الذي أحبه فيه؟ ما الذي يجذبني إليه؟
..............................
*المساء ـ في 22/5/2010م.







  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::