لطيفها .. أكتب وأشدو..وأرنّم...ترانيم الحزن من جنائن الورد والود
الآن...هنا..........أثوي في مساحات الظل .. عندما غابت عنا الشمس وأشعّة نور الصبح.. المنبلجة من بوثقة انصهار الظلام والضياء...
سأكتب اليوم بوحي في ظلال الهاجرة... لطيف أمّي ـ رحمها الله ـ ساكتب للأموات, لأنّني منهم.. فقبري قبو مظلم هو عزلتي..
أحسن تعريف للقبو في بلادنا التي اصيبت بتخمة في الاستبداد, أنّه مرحاض... بيت الخلاء .. الكنيف .. أعزكم الله........
يصبّ السجّان جام غضبه وحقده فوق رأسي.. ولكنّني لا أكترث.. لأنّني حي بالمقاومة.. أقاوم ... لقد خلقني الله حرّا...وأنا أكثر الناس حريّة.. لأنّني حرّ في الضمير.. حرّ في أن أعبد رب العالمين متطهّرا من الجلاد إنّني حرّ وراء السدود .. وفي ظلام القبو وذل القيود
في السجن عذابات مرّة تظاهي عذاب القبر وضمته ومقته في ظلمة ليل العبيد......
أكتب لطيف الراحلة عنّا.. من خلّفت في اخاديد وجداني جرحا عميق الغور يهيج بالشجن كلّما ذكرتها.. فأحنّ لبسمتها.. لفرحتها لقهوتها.. لمحيّاها النبيل لدموعها وحزنها.. بل لكافة التفاصيل المملة التي تروي سيرة أمّ رؤوم عاشت لنحيا حياة النبلاء في زمن انحسرت فيه أخلاق الفارس النبيل لتمتد الدناءة في مساحات الوطن وامتداده ..لم تعوّدنا أبدا على الرضوخ للإهانة فارتفع رصيد الكرامة في وجداني ليكون تاج الوقار على رأسي ووسام الفخار في صدري..
من طيف تلك المدرسة امتاح دروس النبل في زمن رديء
كان الجلاد يمارس النحت على جسدي المكدود وكنت اقاوم حفرياته
يمعن الجلاد في الإذلال فيسبّني.. فلا اتكترث له فإن أنا اجبته فرجت عنه وتركت لحقده مساحة للقيء.. وإن اعرضت عنه كمدا يموت وحسرة
يغتاظ الجلاد فيسب أمّي......
تكلّم يا ابن ال*****
لا أتردّد لحظة واحدة فأقول له بتحدي صارخ
ـ ال***** هي امّك
في حلقات العذاب تتهاوى الحصون والقلاع وتكتم انفاسها كافة الاخلاق النبيلة فلا صوت يعلو هناك سوى صوت الفجّار...
لقد واريتها التراب من زمن بعيد ولا اقوى على سماع السباب في أمّي فألوذ للصمت...أمّي خطّ احمر .. وان فاضت نفسي في حلقات العذاب لاشيء يهم
لقد لمحت دم رفاقي متكلسا على الجدران.. وسال من الجسد المكدود دمي
بعد ايام من العذاب لم يعد الجلاد يجسر على سبّ أمّي......
لقد تحرّرت من قيد اللحظة ووطأة الكلمة الموجعة في الأذن وسويداء القلب
لأمّي الخالدة في وجداني... جنائن الورد والودّ......
ذات يوم.. عندما كنت طفلا صغيرا..دخلت دارنا وقد امتلأت فرحا طفوليا إثر عودتي من المدرسة.. كنت أسابق الريح لأرتمي في حضن أمّي... وجدت باب الدار مواربا فدخلت مهرولا كانت أمّي في المطبخ تثوي في صمت حزين وقد انهمكت في العجين لتعد لنا الخبز.. كانت تبكي بمفردها وتكفكف دموعها في صمت وحزن مهيض الجناح.. تسربت للمطبخ كنسمة هواء في جو مخنوق وخلسة وقفت للحظات ثم ارتميت في حضنها وأنا أبكي بحرارة
نهرتني وقالت لي بحزم
ـ لماذا تبكي يا بني؟؟
ابي لبكاء امي... بكاؤك يبكيني وينزف منه وجداني
قالت بحرارة
ـ لا تبكي ياولدي فالرجال لايبكون .. ابدا..
عندما سألتها لماذا هاته الدموع المنسابة من مقلتيك لاذت للصمت الذي عمّ المكان..........
بعد سنوات من حصاد سنين العمر.. كلّما تذكرت هذا المشهد الأليم احس باحشائي وكأنها تتمزق .. كانت شمعة تحترق لتضيء لنا الطريق فاحترقت في صمت الى ان فاضت روحها...... ولم تترك لنا سوى دروس وعبر وعظات هي الأثر الذي يدل على عظمة راحلة عنّا كانت هناك من قبل
أمّي ايّتها الراحلة عنا في صمت وليل بهيم... كان الحلاوزة كثيرا ما ينتزعونني من بين عقر الدار ليزجوا بي في القبو وكنت المح في عينيك صبرا وتجلدا لم تستعطفيهم يوما... أو تعطي الدنية
كنت تلوذين للركن الشديد لرب السموات والارض
ابدا لم المح في عينيك انكسارا حتى وهم يداهمون الدار بحثا عني
كنت في فراش الموت الاخير عندما جاء زوار الفجر...فتشوا جنبات الدار وعبثوا كالتتار بمكتبتي كل هذا وانت رابطة الجأش صابرة ومسبحتك بين يديك تلوذين للركن الشديد ـدائماـ
عندما اقتادوني للقبو قال كبيرهم
ـ والدتك مريضة فلم لا ترحم ضعفها وهلعها عليك
ـ قل هذه سبيلي...
لذت للصمت فلما الح في سماع جوابي
قلت له بحزم
ـ لقد اوصتني أمي ان لا اركع الا للإله المجيد
انّ الذي يمدّ رجله لا يمدّ يده........
قد حان الرحيل وعما قريب يترجل الفارس النبيل عن صهوة جواده.. وتسقط مفاتيح الدار من يده وتنفرط حبات السبحة وتتساقط كما تتتساقط الحصون والقلاع واوراق الخريف العاصف...........
ريح هوجاء عاتية تكاد ان تقتلعني من الجذور ...فقد نخرت الأسقام جسدي العليل.. الربو يكاد يكتم انفاسي.. تجتاحني لحظات اشعر معهابصيق في التنفس يذهب عنّي الانتشاء بنسمة هواء.. ويكتم زفرات الألم المهيض في وجداني.. وتخفق له خفقانا وئيدا نبضات القلب العليل.......
أميّ أيتها الراحلة عنا في صمت وليل بهيم
انت الرائعة في الصمت البارعة في الرضا بالقضاء المبتسمة في وجه المحن وعمق الالم... الصابرة في عنفوان الشجن ... قد كسروا الفك الاعلى من فمي وهم يطالبونني بشهادة زور ألف بها زنار القهر على رقبة ضحية مثلي يسام انواع العذاب المر والمهان الذليل
كلمة واحدة كانت كفيلة بعتق رقبتي او على الاقل تخفيف وطأتهم علي لقد كانت سيّئاتي لديهم كثيرة جدااا ولكني ابيت ان اخون , كما استعصيت على الاهانة فلم تنل من كبريائي وكرامتي... كيف اقوى على اقتراف شهادة الزور وقد رضعت مع لبن امي معسول الاخلاق الكريمة والاستعلاء بالايمان.. المنتشي بنسمات الحق ورايته الصافية......
في حلقات التعذيب تذكرت معلّمي الأول السيد المهدي كان رحمه الله مدرسي في المرحلة الابتدائية وكان يؤثرني على اترابي لجدّي واجتهادي وكنوع من الاصطفاء كان يتركني نيابة عنه لاحرس الفصل... عندما يخرج للوضوء وكثيرا ما كنت اصب له ماء الوضوء صباّ وهو يغسل يديه ويمضمض فمه ...
ذات يوم تركني نائبا عنه في الفصل وقال لي بحزم
ـ هاته الكراسة البيضاء امامك اكتب فيها اسم كل تلميذ يثير الشغب في غيابي
لا اريدها فارغة.....
قال كلمته ثم انصرف
وكم كانت هاته اللحظات ثقيلة جدا على قلبي احسست بثقلها على كاهلي لقد كنت حرّأ فاستعبدني بهاته الكراسة.. يروم ان يحولني الى بصاص فتنقلب سبّة اعيّر بها اما رفاقي.. كم ان اساي بالغا وانا طفل صغير ارنو لمن يلقنني كتمان السر وصيانة المعروف وذمامة الوشاية وصفاءالخلق الكريم وصفات النبل واذا بي أواجه لحظة من اقسى اللحظات في ألم جارح. وواقع مرّ اتحوّل فيه لمجرد بصاص يمارس الوشاية على اترابه مهما كانت الغاية نبيلة او مسفة رفيعة او ضحلة... كتمت عنه حزني ثم وقفت في الفصل والكراسة أمامي بيضاء لونها
فجأة هاج المكان بالصراخ واللعب وامتلأت ارجاء الفصل الدراسي بالفرح الطفولي البريء....تركت الكراسة البيضاء فارغة وتحررت من قيد الوشاية واليد الغليظة.. عندما اقبل المعلم وكان يرنو لان يجد الكرسة حمراء فاقع لونها تسره وبوشايتها ويبشّ لها
امتعق وجهه وهو يرى البياض لونها وهي فارغة من الاسماء
صرخ في وجهي بعنف
ـ لقد ضج القصل بالصراخ والصخب وتناهت اصواتكم للمدى البعيد اين اسماء المشاغبين؟؟؟
بحياء اجبته
ـ لا احد...........
قال اذن انت اول المشاغبين واوسعني ضربا .. وسرعان ما قام في الفصل يضرب التلاميذ بالشبهة والظن وكان كل من عوقبوا يومها من الصامتين
لقد لقنني يومها درسا لم ازل انهل منه والى الان.....
لقد تحررت يومها من القهر واصبحت حرا في خياري اخترت ان لا اكون بصاصا يمارس الوشاية وابتسمت في عمق
ظل هذا المشهد الطفولي عالقا في ذاكرتي واعماقي والى الابد
في العتمة كان المعذبون كلهم من الضحايا الابرياء كاولئك التلاميذ الذين عوقبوا على عدم شغبهم فقد لاذوا يومها للصمت .. أمّا المشاغبون فنجوا لان عين البغض تبدي المساوئ والعيوب..........
وألى لقاء قريب مع فصول اخرى من رسائل من دفين ـ جنائن الورد والود ـ
شكرا أخي الكريم سيف الدين
على ماتكنه للأم من حبّ وحنان
وما اكتسبته من شيم من مدرسة
الرجال والأجيال . تغمد الله والدتك
برحمته الواسعة وإلى لقاء آخر فيما
تبقى من رسائل .تقبل تحياتي
ودمت في رعاية الله وحفظه
-------
ملاحظة : في نصوص الرسائل كلمات
أرجو تصحيحها وشرح الغامض منها
ووضعه في هامش وهي موجودة في الرسالة الأولى الثانية والثالثة كالآتي:
أمتاح = معنى الكلمة
اتكترت = ....
مهيض الجناح= مهيضة الجناح
الحلاوزة = معنى هذه الكلمة
بصيق = بضيق في التنفس
القصل = الفصل
كم أن = كم كان
أما = أمّ رفاقي
مية مرحبا و ألف أهلا و سهلا بك أستاذي سيف الدين و بحرفك الجميل بيننا
ما أروعها من رسائل حماك الله !
و لقد كانت فعلا رسائل من دفين جنائن الورد و الود
مرور سريع لتحيتك و لتثبيتها حتى تأتينا بالباقيات
ثم لي عودة أخرى لهذا الإبداع
تقبل تحياتي و شديد إعجابي بحرفك الألق.
و ليتك فقط و كما أشار الزميلان عليك أن تعطي الهمزات حقها و بعض الكلمات التي جاء بها الخطأ طباعيا سهوا
مثلما أعطيت الجمال هنا حقه بين سطورك
كي يتم جمال النص الثري هذا
شكرا أخي الكريم سيف الدين
على ماتكنه للأم من حبّ وحنان
وما اكتسبته من شيم من مدرسة
الرجال والأجيال . تغمد الله والدتك
برحمته الواسعة وإلى لقاء آخر فيما
تبقى من رسائل .تقبل تحياتي
ودمت في رعاية الله وحفظه
-------
ملاحظة : في نصوص الرسائل كلمات
أرجو تصحيحها وشرح الغامض منها
ووضعه في هامش وهي موجودة في الرسالة الأولى الثانية والثالثة كالآتي:
أمتاح = معنى الكلمة
اتكترت = ....
مهيض الجناح= مهيضة الجناح
الحلاوزة = معنى هذه الكلمة
بصيق = بضيق في التنفس
القصل = الفصل
كم أن = كم كان
أما = أمّ رفاقي
الفاضل نصر الدين أسعدني مرورك الكريم وملاحظاتك
هناك في النصوص بعض الاخطاء الكيبوردية التي لم يسعفني الحاسوب على تلافيها
لظروف خارجة عن سيطرتي ولكني.. سأعمل على تجاوزها وتصحيح ما فيها من اخطاء وتوضيح ما يحتاج للإحالة