العلاقة بين اللغة والتفكير
يعتبر هذا الموضوع ذا أهمية كبيرة للدارسين والباحثين في مجال طبيعة التفكير وفي حقل اللسانيات عامة . ويَعتبِر رائد اللسانيات دي سوسير أن هناك ثنائية لا تتخلف بين اللغة والفكر ويشبهها بورقة العملة النقدية إذا مزق أحد الطرفين مزق الآخر معه , فلا يمكن التفكير دون لغة كما لا يمكن وجود لغة دون دلالات معنوية , وما يعنيني في هذه الورقة هو العلاقة والتأثير المتبادلين بين اللغة والفكر , خاصة عندنا معشر العرب الذين نولي اللغة أهمية خاصة وبعدا متميزا, فكم من إنسان أسقط حقه لمجرد مثل من الأمثال غذي به شعوره وكم حصلت من مشاكل وربما حروب من كلمة أو بيت شعر, وقديما قال الشاعر : " أديم مطال الجوع حتى أميته " وذلك ضمن برمجة عصبية تعتمد على اللغة أساسا ومن هنا يتفاءل البعض أو يتشاءمون جراء سماعهم لبعض الكلمات .
عندما أبحث في طريقة تركيب الجملة العربية ( فعل + فاعل + بقية الجملة ) أستطيع أن أستنتج طريقة من طرائق تفكير العربي وهي أن ما يهمه هو الفعل بغض النظر عن الفاعل فقد يكون مجهولا لا ضير , فأستنتج أن العربي يمتلك قدرة أكثر من غيره على الإيمان بالغيبيات فالفعل عنده مقدم .
وعندما أبحث في باب الجموع أعثر على جموع كثيرة ( المذكر السالم- المؤنث السالم – التكسير –القلة- الكثرة- منتهى الجموع -) فأضع يدي على أهمية الاجتماع في الفكر العربي وعلى تماسك المجتمع وترابطه وقد كان ذلك حقيقة واقعية فالنظام القبلي هو السائد في عالم العرب ويعتمد هذا النظام على التكافل والتناصر غير المشروط بين أفراد القبيلة مهما تباعدت سكناهم وأستطيع أن أعتبر القبيلة في مصطلحات العالم المعاصر أحد المؤسسات المدنية التي تنشر أرقى أساليب التكافل الاجتماعي , وزاد في ذلك التشريعات الدينية التي وثقت هذا التماسك من مثل صلاة الجماعة والجمعة والعيدين والتي حثت أيضا على زيارة المريض وكفالة اليتيم وأقرت نظام القبيلة في بعض الجوانب مثل دفع الدية التي توزع على القبيلة حال القتل الخطأ .
ولما كانت المرأة غير فاعلة في المجتمع العربي لم نجد لها جمعا من حروفها ولا مفردا من كلمة نساء , في الوقت الذي نجد فيه سبعين اسما للسيف وغيرها , وكذا لم نجد طريقة لتسمية الإناث من الصقور والغزال إلا ما يعرف بــ "التحايل اللغوي" حيث نقول أنثى الصقر وأنثى الغزال وهكذا ........
وهنا أريد أن أطرح تساؤلا مشروعا : كم تساهم اللغة - وهي تبني طريقة تفكيرنا - في دفع المسار الحضاري العربي إلى الأمام ؟ وكم تستطيع هذه اللغة أن تقدم ؟
بغض النظر عن مدى قدرة اللغة العربية على إعطاء أسماء لمسميات من خلال التوالد الكبير " الاشتقاق " والنحت والتعريب والخ...............كم تستطيع أن تدفع أبناءها إلى اختراع المسميات قبل اختراع الأسماء ,أم أنها لا دخل لها بذلك سلبا أو ايجابا ؟
هل يتوقف دور العربي على انتظار من يخترع السيارة لتتمثل براعته في القدرة الفائقة على إيجاد تسمية لهذا المبتَكر الجديد ؟ أو على كتابة عبارة " عين الحاسد تبلى بالعمى " ؟؟؟؟ وقس على ذلك ,
لقد أنتج العرب حضارة وثقافة في عصور كانت أوربا تغرق في الظلمات وتنسب ساعة هارون الرشيد إلى الجن كنوع من عدم القدرة على استيعاب المخترعات , فلماذا تبادلنا الأدوار مع أوربا , هل لأننا هجرنا اللغة العربية - التي تساهم في طريقة تفكيرنا - إلا من حصص الدرس العربي وبعض المسلسل التاريخي , أم ثمة مشاكل داخل اللغة ؟ أم ثمة أسباب أخرى يمكن أن يحفز هذا المقال على استكشافها والخوض فيها ؟؟