(رعب ، خوف ، الله اكبر)
أبحرت بنا باخرة سياحية في الخامسة صباحا من نيوزيلندا باتجاه جزر هاواي في المحيط الهادي. عالم المحيطات لا يمكن تصوره إن لم تعشه بنفسك ، إذ تتجلى أمامك عظمة الخالق سبحانه وتعالى .
عندما تبحر الباخرة ، وبالتدريج تختفي الأرض وما فيها من جبال عن أنظارك ، وتعيش عالما أشبه بالخيال.
بدأت الشمس تغازلنا بشروقها ، وكأنها تبغي مداعبتنا ليوم يحمل البهجة والسعادة في طيه ، وكانت أمواج البحر ترقص لها مبتهجة ، بعد أن هرب الظلام. أما عالمنا نحن فكان محدودا ، إذ لا يتعدى مساحة الباخرة ، ولا يمكن أن يتجاوزها. فينا المبتهج والخائف ، وفينا المؤمن والعابث ، بيد أن الجميع في عالم يختلف تماما عن عالمنا , ولا أحد منا يدري ما سوف يصادفنا من صعاب.
كنا نمر بجزر صغيرة منتشرة في المحيط ، منها يسكنها عدد قليل من الناس ، ومنها غير مسكونة ، بل ومنها محفوفة بمخاطر ، لوجود حيوانات وحشية مفترسة فيها.
كانت الباخرة ، تتوقف وقتا قصيرا عند بعض الجزر الصغيرة ، لنتمشى عليها ، لأخذ بعض الصور التذكارية ، أو شراء بعض الحاجيات البسيطة ، من إنتاج أبناء الجزيرة ، أو التحدث مع من نلتقي بهم من السكان بشرط أن لا نبتعد أكثر من 100 متر عن الساحل ، حسب التعاليم ، والتي تحتم على الركاب أن يتقيدوا بها ، ثم تواصل الباخرة رحلتها.
في الباخرة موظف بيده سماعة ، مهمته ، إعطاء معلومات بين الفينة والأخرى عن كل جزيرة نمر بها ، أو تقف الباخرة فيها بعض الوقت. وعلمنا من المتحدث ، أن هناك جزر صغيرة لا يسكنها بشر ، وستقف الباخرة في ساحل إحدى اخطر الجزر ، ولفترة لا تزيد كحد أقصى عن عشرة دقائق. وعلمنا ان الشبابيك والأبواب سوف تغلق ، لوجود تماسيح خطرة ، إن لقفت جاموسة تصبح في فمها كعصفور ، ولخطورتها لا يسمح للركاب مغادرة الباخرة ، حرصا على سلامتهم. ورجانا أن نتقيد بالتعاليم.
كانت أمنيتي أن أغادر الباخرة خفية لدقائق ، لكي التقط صورة تذكارية في اخطر جزيرة في العالم ، إنها مجرد أمنية .
وصلنا جزيرة الخطر كما يطلق عليها البحارة.الجزيرة لا يسكنها بشر ، ومعروفة بخطورةالحيوانات الوحشية التي فيها.وصلناها قبل غروب الشمس بساعة. سواحلها مملوءة بأخطر أنواع التماسيح.
رست الباخرة مباشرة عند الساحل ، لكي نرى التماسيح ، أو نرى في بعض الأحيان ، بعض الحيوانات الوحشية.
كانت التماسيح من جهة البحر ترفع جسمها وقد فتحت فاها لتتلقفنا !!!!!!!! غير أنها تصطدم بالزجاج السميك والذي صنع لهذه الأمور ويتحمل مقاومة كبيرة. منظر يدعو إلى العجب.
كل واحد منا انشغل بأمر يرغبه. هناك من انشغل بالتماسيح وهولها ، وهناك من ينظر الى جزيرة الرهبة، عله يرى بعض الحيوانات الوحشية المفترسة ، وهناك من دب الخوف في قلبه وبقي قابعا في مكانه . والأخرون يصغون لرجل الأعلام ، وهو يشرح لهم خطورة الجزيرة التي لا يقطنها بشر ، وشراسة الحيوانات الوحشية التي تعيش فيها ، وبمختلف أنواعها ، علاوة على خطورة الساحل الذي يعج بأخطر التماسيح كما مر بنا.. كان ألسياح يصغون اليه بكل جوارحهم.
وجدت الفرصة سانحة أن أغادر الباخرة خفية ، لالتقط بعض الصور التذكارية ، في اخطر جزيرة في المحيط الهادي.
العاملون في الباخرة كان كل منهم مشغول بعمله . فتحت باب الباخرة وقفزت الى الساحل وابتعدت عن الباخرة حوالي عشرة أمتار لالتقط لنفسي صورة تذكارية في هذا الجزء الخطير من الكرة الأرضية. ما هي الا دقائق ، والتفت في الحال ، فوجدت الباخرة تبتعد عن الساحل لتواصل رحلتها الى جزر هاواي . صرخت بأعلى صوتي ملوحا بيدي علَ احدهم يراني ، فلم أجد استجابة من احد ، والباخرة أخذت تبتعد ، وأنا اصرخ وأصيح بأعلى صوتي ، ولكن بدون جدوى.دب الرعب في ، ووجدت الأمل يبتعد عني وانا ارتعش خوفا ، وكان يزداد خوفي بابتعادالباخرة أكثر وأكثر ، وعندما توارت الباخرة عن نظري فقدت بها أملي.
دب في الخوف ، ويئست من الحياة ، وصرت ابكي و ارتعب من كل شيء ، حتى لو كان تافها. ارتعب من طائر صغير او حيوان مفترس خطير.صرت أخاف كل شيء ، من الأفاعي السامة ، من الذئاب الوحشية ، من حشرة صغيرة بل وحتى من الريح. ومع هذا الرعب ،كنت ولازلت احمل بصيصا من الأمل بمجيء باخرة أخرى قبل غروب الشمس ، وأنقذ بأعجوبة الاهية ، أو تمر طائرة وبمشيئة الله يروني ، وأنقذ قبل أن تهاجمني الحيوانات المفترسة وأكون لها طعاما.
أصابني نوع من الهدوء ممزوج ببصيص من أمل.بدأت أفكر بما اعمله والشمس أخذت تبتعد ، كما يبتعد الأمل عني. أفكر ما سوف اعمله .هل أتسلق شجرة ؟وكيف أنجو من الأفاعي السامة؟ أأبقى قرب الساحل؟!!! غير أني أخشى التماسيح الخطرة تتلقفني. وأخيرا اتخذت قرارا ممزوجا بيأس ، ان لا ابتعد كثيرا عن الساحل ، عل باخرة أخرى تأتي وتراني وتنقذني ، او كما قلت، عل طائرة في الجو تلمحني ، او احد معارفي في الباخرة يتفقدني ويخبر القبطان عني ، او او الكثير من الأفكار التي قد لا تجدي.
يا ربي ما سيكون مصيري في الليل ، وأنا وحيد في هذه الجزيرة النائية وسط المحيط. الشمس أخذت تغطس في أعماق الأفق مودعة ايانا بأشعتها الذهبية الخافتة ، لتكنس الظلام في النصف الأخر من الكرة الأرضية ، وأنا كنت اضرب أخماسا بأسداس مجلجلا بيأس قاتمليس فيه اشعاع من الأمل. في هذه أللحظة ، سمعت بقربي زئيراً هد كياني ، وشاهدت ثلاثاسود يتوجهون نحوي ، صرخت هلعا وبأعلى صوتي: الله اكبر ، الله اكبر . وقفت الأسود الثلاثة بمسافة لا تزيد عن 20 متر عني وهم يحدقون بشهية. وبعد اقل من دقيقة ، ومن جهة اليمين ، شاهدت نمرين يدنوان مني لافتراسي ، الا انهما وحسب اعتقادي كانا يخشيا غضب الأسود. وبعد وقت قصير ، وجدتني محاطا بذئاب برية ، وبعض النمور ، وحيوان ضخم لم أشاهد مثيله من قبل.
أصوات الحيوانات أخذت تتعالى ، كل يريد ان يحظى بفريسته ، وكنت اصرخ مرعوبا:
الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر ، وأتلفت يمنة ويسرى ، وانظر الى الوراء خائفا يائسا ، وأنا محاط بحيوانات وحشية كل يريد أن أكون له طعاما.
في هذا الوقت العصيب ، وبدون شعوري ، صرت اردد هذا البيت يائسا ، مخاطبا ربي الذي خلقني ، ربي الذي يحيي ويميت :
يا الهي لما خلقت عظامي ……. كعظام اللقالق الضعفاء
يئست من الحياة تماما. ما سيكون شعوري اذا ما هاجمتني هذه الوحوش المفترسة تبغي تمزيقي ؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
في هذا الوقت العصيب ، لم أجد الا والأسود الثلاثة وبسرعة هائلة وهي تزأر تتوجه نحوي ، فانصاعت علي لافتراسي.
صرخت بأعلى صوتي هلعا ، الله اكبر، الله اكبر، فاستيقظت من نومي مرعوبا ، ووجدت نفسي في الفراش ، كدت ان لا اصدق !!!!!!! ونظرت حوالي وتأكدت أني في بيتي .حمدت الله وشعرت حقا بالسعادة ، آآآآآآآآآآآآه ما أحلاها سعادة .جئت في الحال للمنتدى ، لأدون أتراحي وأفراحي ، بكل سرور وغبطة ، لأقول لكم: أنا هنا معكم. سعيد والحمد لله.
أخوكم ابن بغداد الجريحة : صلاح الدين سلطان